لا يقتصر دور الانتخابات الإسرائيلية على تظهير الاتجاهات السياسية وسط الجمهور، بل يتجاوزه إلى كونه حدثاً سياسياً يخضع لرصد وتحليل ويكون حاضراً في اعتبارات صنّاع القرارات في المنطقة
علي حيدر
تتميّز الانتخابات الإسرائيليّة المقرّرة غداً بأنها تأتي قبل نحو 20 شهراً من موعدها الأصلي المفترض (تشرين الثاني من عام 2010)، إذ لم يعد حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة، منذ عام 1992، ظاهرة استثنائية في الحياة السياسية الإسرائيلية، بفعل احتدام الصراع السياسي الاجتماعي الداخلي المتفاعل مع التطورات الإقليمية.
كما تجري هذه الانتخابات في ظل تراجع ملحوظ للأحزاب الكبيرة تاريخياً، وتحديداً «الليكود» و«العمل»، مع تزايد في فعّالية الأحزاب الصغيرة، وخصوصاً الدينية منها، حتى أصبحت المنظومة الحزبية في إسرائيل مكوّنة من أحزاب متوسطة الأحجام (من حيث التمثيل في الكنيست) وأخرى صغيرة، الأمر الذي ترك أثره الكبير في آلية صناعة القرار وزاد من احتدام الصراع السياسي الداخلي.
ويأتي ذلك بعد هيمنة «أُحادية» حققها حزب «العمل» (مباي سابقاً)، بالتحالف مع أحزاب صغيرة أخرى، على المؤسسة السياسية في إسرائيل، خلال الثلاثين سنة الأولى من تاريخ الدولة العبرية. وبعد مرحلة من الثنائية الحزبية الحادة، بين «العمل» و«الليكود»، بدأت بفوز الأخير برئاسة الحكومة للمرة الأولى عام 1977 واستمرت حتى منتصف التسعينات، انطلق مسار انحداري في أحجام الحزبين الكبيرين مع انتخابات عام 1999، التي نال فيها «الليكود» و«العمل» مجتمعين 45 مقعداً (العمل ـــ ميماد (26) الليكود (19)) من أصل 120 مقعداً في الكنيست، وصولاً إلى الانتخابات الأخيرة عام 2006)، (الليكود (12) والعمل (19))، التي كُسر فيها الاحتكار الثنائي على الصدارة، بمنافسة حزب «كديما» الوسطي في انتخابات عام 2006 وفوزه.
ويسجل لحزب «كديما»، نجاحه في الاستمرار في المنافسة، حتى الآن، بفعل التطورات السياسية ولكونه يترأس الحكومة، بعدما باءت بالفشل كل المحاولات السابقة والمتكررة لفرض حزب وسطي بين اليمين واليسار.
وعليه باتت المنظومة الحزبية الإسرائيلية ترتكز على ثلاثة أعمدة حزبية «رفيعة»، مع تفاوت في ما بينها.
أيضا يلاحظ أن هذه الانتخابات تجري في ظل خلو الساحة السياسية من قادة تاريخيين قادرين على استقطاب الجمهور اليهودي وكسب ثقته وتأييده، كما كانت الحال مع وجود جيل المؤسّسين (من أمثال مناحيم بيغن)، أو الشخصيات التي حققت لإسرائيل «إنجازات» تاريخية (من أمثال إسحاق رابين). ويبدو من خلال هوية المنافسين الحاليين على رئاسة الحكومة أنهم جميعاً ينتمون إلى الصف الثاني، الأمر الذي يعزز من تراجع ثقة الجمهور بخيارات قادته وكفاءاتهم، ومن حالة التشظّي التي يعانيها المجتمع الإسرائيلي، ليجد هذا الجمهور نفسه مضطراً إلى الاختيار بين ثلاثة قادة، اثنان منهم (بنيامين نتنياهو وايهود باراك) سبق له أن جرّبهما وأسقطهما، وثالثة (تسيبي ليفني) تفتقر إلى الخبرة، وكان لتوالي «الصدف» التاريخية دوره في وصولها إلى موقعها الحالي.
هذا في وقت تخلو فيه طروحات الأحزاب الرئيسية وبرامجها من فروق جوهرية رغم استمرار استخدام مصطلحات اليمين واليسار والوسط في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي؛ بهتت الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بفعل التحولات التاريخية التي أدت إلى تقارب المعسكرين اليساري واليميني، باستثناء تيارات هامشية على كلتا الضفّتين، رغم أن نبرة مواقف قادتها، مع احتدام الحملات الانتخابية، قد توحي بذلك.
أما في ما يتعلق بالعوامل المؤثرة في توجّهات الناخب الإسرائيلي، فيلاحظ وجود جنوح جماهيري نحو اليمين، فيما يطغى العامل السياسي والأمني على مختلف العوامل الأخرى، في الوقت الذي تؤدي فيه العوامل الأيديولوجية دورها أيضاً.
ومن الواضح أن القضية الفلسطينية تمثّل المحور الأساسي في التجاذب السياسي بين الأحزاب المتنافسة، وخصوصاً بعد العدوان الدموي الأخير على قطاع غزة.