تبدو خربة أمّ القواويس أرضاً خالية من السكان أو من علامات وجود الإنسان، فيما تعاني جارتها الجنوبية سوسيا من التدمير المستمر. إلا أن في هاتين الخربتين بقايا فلسطينيين أصليين يرفضون ترك أرضهم
الخليل ــ نداء أبو حمدية
تحوّلت أمّ الفضل، التي تنتمي إلى خربة أمّ القواويس (جنوب محافظة الخليل) وتقطن فيها، إلى أحد أساساتها وإلى جزء من تاريخها. تُسهِب في سرد تفاصيل حياتها في تلك البقعة من الأرض، وتسترجع ذاكرة لم تمحُها حرارة الصيف القاسية وبرودة الشتاء، ولا حتى رطوبة الغرفة الصخرية التي تنام فيها.
تقول أمّ الفضل إن الأرض ملك لهم (للفلسطينيين). ورغم هذا،يمنعهم الاحتلال من بناء أي شيء أو حتى زراعة كرمة بحجة حفظ الأمن، إذ تحيط تلك المنطقة تجمعات استيطانية.
يعيش سكان أمّ القواويس في مغر. في هذا المكان، يعلنون عصيانهم على الاحتلال من خلال تشبثهم بأرضهم. تتكون «المغر» من غرفة واسعة. وتقول أم الفضل إنه «في هذه الغرفة ربيت أبنائي وبناتي، ولكل واحد منهم عائلته الآن».
وإلى الجنوب منها، تقع خربة أخرى تدعى «سوسيا»، يعيش فيها نحو 35 عائلة موزعة على عدة أراضٍ، لها سجل معاناة كبير لم ينته حتى اليوم. بدأ حين هجّروا قسراً من بلدة عراد التي احتلت عام 1948 مع أجزاء أخرى اقتطعها الاحتلال الإسرائيلي آنذاك من أراضي الخليل. توجهوا إلى سوسيا وبحوزتهم سجل إخراج قيد يثبت حقهم فيها. وفي عام 1986، هُجّر السكان مرة أخرى قسراً من إحدى أراضي سوسيا الشاسعة، ودمرت بيوتهم وحرقت مزروعاتهم، بحجة أنها منطقة أثرية، حيث يوجد فيها بعض الأبنية القديمة الأثرية التابعة للكنعانيين، ولا يحق للمدنيين العيش فيها. وأشارت وداد النواجعة، التي تقطن في سوسيا منذ أكثر من 25 عاماً، بإصبعها إلى المنطقة التي هجّروا منها، وإلى الكنيس اليهودي الذي شيد مكانها. تقول «بعد شهر من تهجيرنا، قامت القوات الإسرائيلية بتوطين مدنيين إسرائيليين في المنطقة الأثرية التي استبعدنا منها».
لا تضم سوسيا بيوتاً وخياماً، بل هي فقط عبارة عن بقعة صغيرة من الأرض تضم جدراناً خشبية، مغطاة بالشادر (نايلون قوي) والأقمشة الجلدية حتى لا تتسلل الأمطار إلى الساكنين. أناس لا يتطلّعون إلى تغيّرات الزمن ومستجداته في كل شيء. يعيشون خارج الزمن وهم صامدون لا تهمهم سوى حماية أراضيهم من براثن الاحتلال.
أما المستوطنون الإسرائيليون، فهم لا يطيقون حتى بقاء هذه العائلات الفلسطينية في الأرض التي احتلوها، ويعتدون باستمرار على السكان، محاولين حرمانهم من حياتهم ومما بقي لهم من ممتلكات. ففي عام 1989، حرقوا منازل، كذلك هدم الاحتلال في الفترة الممتدة بين عامي 1991 و2001 المنازل ثماني مرات.
تقول وداد: «أذكر جيداً ما حصل عام 2001 حين قتل مستوطن في المنطقة. قام الاحتلال بضرب واعتقال فلسطينيين. هدموا آبار المياه والمنازل، وعشنا كالمشردين لأكثر من شهر إلى أن سمح لنا بالبناء مرة أخرى».