تشهد العلاقات السودانية التشادية توتّراً حرجاً بعد شنّ المتمردين التشاديين هجوماً على العاصمة نجامينا انطلاقاً من الحدود السودانية، ما ينعى اتفاق المصالحة الذي وُقّع في قطر بداية الشهر الحالي

جمانة فرحات
بعد يومين فقط على توقيع الطرفين السوداني والتشادي اتفاقاً في الدوحة يهدف إلى إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، اتهمت تشاد في الخامس من الشهر الحالي السودان بإرسال المتمردين التشاديين لمهاجمة البلد وإطاحة الرئيس إدريس ديبي، وهو ما دفع ديبي، بعد إعلان جيشه إلحاق الهزيمة بالمتمردين، إلى المشاركة أمس في تجمع مع آلاف التشاديين في نجامينا للتنديد «بالعدوان السوداني».
وتوجه ديبي إلى المشاركين، الذين رفعوا شعارات كتب عليها: «فليسقط الخائن (الرئيس السوداني عمر) البشير» و«الشعب التشادي لن يقبل الخضوع»، بالقول: «أود أن أطمئن الشعب التشادي إلى أن قواتنا للدفاع والأمن تسيطر على الوضع تماماً... ولن أسمح أبداً للمغامرين مهما كانت انتماءاتهم بتعكير صفاء الشعب التشادي»، متجاهلاً بذلك الدعوة التي أطلقها أكبر ائتلاف للمعارضة التشادية لعقد «مؤتمر للسلام في أقرب وقت» في تشاد يجمع الحركات السياسية والعسكرية.
كذلك استبق ديبي هذه التظاهرة بالإعلان قبل أيام عن رغبة تشاد بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم. وقال، في كلمة ألقاها في القصر الرئاسي، إن «الحكومة ستجري إعادة تقويم للعلاقات بين السودان وتشاد، وهي تنوي في الوقت الملائم، إذا لم يتطور الوضع إيجاباً، قطع هذه العلاقات». وأوضح أن «تشاد لن تشارك بعد الآن في لقاءات تخص السودان وستدعم المحكمة الجنائية الدولية»، التي أصدرت مذكرة توقيف دولية بحق البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وتُعَد الأزمة الأخيرة بين السودان وتشاد حلقة من سلسلة حلقات الصراع بين الطرفين، الذي تغذيه الاتهامات المتبادلة بدعم المتمردين الموجودين في أراضي كل منهما، والتداخل القبلي على الحدود، وهو ما أسهم في إفشال كل مساعي التوفيق بين الطرفين.
وأدى النزاع المسلح بين المتمردين والحكومة في كلا البلدين دوراً أساسياً في توتر العلاقات. إذ تتهم الحكومة التشادية المتمردين المعارضين بالتجمع في منطقة شرق تشاد المتاخمة للسودان، واتخاذها منطلقاً لشن هجماتهم، بدعم عسكري من السودان. وفي المقابل، تتهم حكومة السودان المتمردين المعارضين للحكومة السودانية، وفي مقدمتهم «حركة العدل والمساواة»، باتخاذ الحدود التشادية مركزاً لنشاطاتهم المعادية للحكومة.
وفي هذا الإطار، تعتقد الخرطوم أنه إذا تمكنت المعارضة المسلحة التشادية من إطاحة حكم الرئيس ديبي، فإن ذلك سيحرم حركة «العدل والمساواة» من معقلها، الذي تشن منه عملياتها على السلطات السودانية.
كذلك يبرز التداخل القبلي بين الدولتين، وارتباطه بالصراع في إقليم دارفور كأحد أسباب التوتر، إذ ينتمي معظم قادة حركات التمرد في الإقليم إلى قبيلة الزغاوة، التي ينحدر منها الرئيس ديبي، وهو ما ساعد الخرطوم على اتهام قيادات تشادية بدعم متمردي دارفور.
وتحول التوتر بين الطرفين إلى أزمات دبلوماسية أدت في العديد من المرات إلى قطع العلاقات بين السودان وتشاد، كان آخرها العام الماضي عندما أعلن البشير في الحادي عشر من أيار 2008، قطع العلاقات مع تشاد بعد تحميلها مسؤولية الهجوم الذي شنته حركة «العدل والمساواة» على منطقة أم درمان، التي تقع على مشارف العاصمة الخرطوم. واستمرت الأزمة حتى التاسع من تشرين الثاني من العام نفسه، عندما استطاعت وساطة ليبية أن تعيد العلاقات.
في ضوء ذلك، ظهر بوضوح عقم الاتفاقات الموقعة بين الطرفين في إيجاد حل للأزمات المتلاحقة التي تنشأ. فقد وقّع الطرفان ما يزيد على سبع اتفاقيات سلام بوساطات عربية وأفريقية متنوعة، كانت آخرها أوائل الشهر الحالي في قطر، حيث اتفق الطرفان على تسريع تنفيذ الاتفاقات السابقة والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر وعدم اللجوء إلى استخدام القوة، تمهيداً لعقد قمة بين الرئيسين السوداني والتشادي في طرابلس برعاية الزعيم الليبي معمر القذافي، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة
آل ثاني.
ويرجع البعض فشل الاتفاقات لكونها اتجهت لمعالجة نتائج التوتر، من دون أن تقترب من معالجة أسبابه. ويرى المراقبون أنه لن يكون باستطاعة البلدين تحسين علاقاتهما ومعالجة ما بينهما من خلاف إلا بحل مشكلاتهما الداخلية المتمثلة في حركات التمرد الموجودة في إقليم دارفور والمعارضة التشادية، مع ما يستتبعه ذلك من ضرورة توقف الطرفين عن مد الحركات المسلحة في دارفور والمعارضة التشادية بالسلاح لمحاربة النظامين في الخرطوم ونجامينا.