كمال حمدان يدين الاحتكارات ومبررات التجار واهيةرشا أبو زكي
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، أي في 6 أيار 2008، أعلنت الحكومة اللبنانية إلغاء الرسوم الجمركية عن عدد من المواد الغذائية المستوردة بغية خفض أسعارها، ومن بين هذه المواد: اللحوم المبردة والمجلدة، الفروج، السكر، الأرز، الحليب، المعكرونة وغيرها... وقد اتخذ هذه الإجراء تحت عنوان «من أجل مساعدة ذوي الدخل المحدود»... عام مرّ على هذا الإجراء، وتعزز بإجراءات حمائية أخرى للمستهلكين كانت أهمَّها إعادةُ العمل بتحديد هوامش أرباح التجار من وزير الاقتصاد محمد الصفدي، إلا أن كلا الإجراءين أُعلن في مهرجانات وكرنفالات أصبحت معهودة، ومن ثم سُجنا في ملفات مختومة كتب عليها «ليست للتنفيذ»!
فقد أشار مؤشر إدارة الإحصاء المركزي إلى أن أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بين آذار من عام 2008 وآذار من عام 2009 بنسبة 6,5 في المئة، أي إن أسعار المواد الغذائية في آذار الماضي كانت متقاربة مع أسعار المواد نفسها في أيلول من عام 2008، وبالتالي استقرت أسعار هذه المواد بين فترة ما قبل انفجار الأزمة المالية، وما بعد انفجارها، رغم تراجع الأسعار بنسبة كبيرة، وخصوصاً الغذائية منها في جزء من تداعيات الأزمة على الاقتصادات!

حمدان: غلاء مصطنع

ويرى الخبير الاقتصادي ورئيس مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في لبنان في مقارنة مع انخفاض الأسعار عالمياً، أصبح مألوفاً في بلد تسيطر عليه الاحتكارات، لافتاً إلى أن الانطباع الأول الذي يمكن تصوره بعد انفجار الأزمة، هو تحول الأسعار من الارتفاع الصاروخي الذي شهدته منذ عام 2007 إلى الانخفاض منذ مطلع عام 2009، لافتاً إلى أن تسجيل رقم 6,5% كارتفاع بين آذار من عام 2008 والشهر نفسه من عام 2009، يوضح عمق الأزمة التي تسيطر على الأسواق اللبنانية، إذ إنه يمكن احتمال فكرة الانخفاض البطيء للأسعار في لبنان في مقارنة مع الأسعار العالمية، ويمكن تبرير ذلك بوجود حجم من المخزونات المستوردة على الأسعار القديمة، إلا أنّ من غير المفهوم أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بهذه الوتيرة. ويشير حمدان إلى أنّ من المتوقع أن تعود أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع، بعدما سيطر العامل النفسي المرتبط بانكماش الأسواق على حراك الأسعار، وخصوصاً أن الأزمة الغذائية لا تزال قائمة، واستخدام المواد الزراعية لتصنيع الوقود البيولوجي لا يزال موجوداً، إضافة إلى عوامل عديدةأخرى.

سنو: انخفاض بطيء

إلا أن مستورد المواد الغذائية رسلان سنو يشير لـ«الأخبار» إلى أن المواد الغذائية لم ترتفع كثيراً، لكنها تحسنت عن العام الماضي بسبب انخفاض كلفة النقل، إلا أن تراجع الدولار نسبة إلى اليورو، وانخفاض الأسعار في المرحلة الأولى من الأزمة المالية، دفع المزارعين إلى خفض إنتاجهم، ما أدى إلى عودة ارتفاع الأسعار، والطقس السيئ الذي سيطر على عدد من الدول الزراعية، إضافة إلى الأزمات السياسية كما في الأرجنتين أدت إلى ضعف المواسم الزراعية، فترافق انخفاض العرض مع انخفاض في الطلب. ويضيف سنو أن حركة التجارة العالمية تراجعت، والمصارف العالمية لم تعد تتمتع بالثقة، ما أدى إلى تباطؤ في حركة التجار وتراجع التمويل، مشيراً إلى أن ارتفاع الأسعار بنسبة10 في المئة طبيعي، لكن الناس أصبحوا أكثر حساسية لارتفاع الأسعار بسبب الأزمات الاجتماعية القائمة، مشدداً على أنه لا احتكار في الاستيراد، وأن عدد التجار آخذ في الارتفاع في لبنان. كذلك لفت إلى أن التوقعات تشير إلى ارتفاع الأسعار بنسب محدودة خلال الفترة المقبلة. وأعاد ارتفاع أسعار الشوكولا، مثلاً، بقيمة 500 ليرة إلى أن موسم الكاكاو ضُرب وجميع الدول المنتجة للشوكولا تعاني من أزمات سياسية تؤثر على إنتاجها، ما يضطر مصنِّعي الشوكولا إلى رفع الأسعار.
بدوره لفت رئيس نقابة الصناعات الغذائية جورج نصراوي إلى أن جميع الأسعار انخفضت من الزيوت والحبوب وغيرها، لكن ثمة منتجات مرتبطة بمواسم عالمية، لافتاً إلى أن أسعار المعلبات مستقرة وعلى طريق الانخفاض، ولا تغييرات في الاستهلاك بل هناك جمود في السوق، آملاً أن تتحرك السوق المحلية خلال الصيف وشهر رمضان المقبل.

تناقض صارخ

لكن جميع المبررات التي ساقها المستوردون تصبح واهية مع مراقبة أسعار المواد الغذائية في الدول العربية خلال آذار الماضي، إذ انخفضت أسعار هذه المواد في سوريا بين 15 و25 في المئة، وأعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية خطة لخفض أسعار المواد الغذائية لتصبح موازية للأسعار العالمية. وقال مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، هاشم النعيمي: «نلاحظ انخفاض الأسعار يومياً منذ الآن، وانخفضت بأكثر من 50 في المئة في حلول نيسان 2009».
ويرى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن كل الادعاءات عن انخفاض كبير في الأسعار في لبنان بنسبة 40 في المئة، بحسب عدد من المسؤولين، ليست واقعية، والاحتكار والانفتاح العشوائي يديران اقتصادنا، مؤكداً أن مؤشر الجمعية يشير إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 3,5% في الفصل الأول من العام الحالي، والأسباب هي ذاتها، فلبنان وضعه خاص ولا يلحق الأوضاع العالمية المتعلقة بالأسعار. فيما يشير رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك إلى أن أسعار الخضر والفاكهة لا تزال مستقرة، رغم أن المزارعين كانوا ينتظرون انخفاض أكلاف الإنتاج الزراعي مع بدء الأزمة المالية العالمية، إلا أن ذلك لم يحصل، لافتاً إلى أن المزارعين لا يستفيدون من أي ارتفاع في أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق، مجدداً دعوته المعنيين إلى إيجاد أسواق يستطيع من خلالها المزارعون بيع منتجاتهم مباشرة للمستهلك.


23 في المئة

هي نسبة انخفاض أسعار القمح في الاسواق العالمية حتى آذار الماضي، و28% للذرة، و32% للصويا، و17% للكاكاو و19% للبن و9% للسكر. كذلك شهدت الزيوت والسمون وغيرها انخفاضاً مماثلاً للسلع الأخرى... إلا أن اللبنانيين لم يشعروا بهذه الانخفاضات


أين تحديد هوامش الأرباح؟