حسام كنفانييمكن تلمس مجموعة من المتحولات في خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، الذي خصصه للرد على خطابي الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إلا أن الخطاب كان حافلاً بالإشارات الإيجابيّة والرسائل التصالحية، للإدارة الأميركية خصوصاً، إضافة إلى ملامح التحوّلات في سياسة حركة المقاومة الإسلامية و«ثوابتها».
وحاول مشعل إضفاء طابع من الصرامة على كلامه، لكن رسائل التهدئة كانت واضحة بين السطور. فمن مطلع الخطاب حتى نهايته، عمد مشعل إلى خلط الرسائل، منها ما هي موجهة إلى الداخل الفلسطيني وجماهير «حماس»، ومنها ما هي موجهة إلى الإدارة الأميركية حصراً، على أن تتكفل هي بفك شيفرته وعزله عن باقي المواقف التي رفع خلالها مشعل سقف خطابه وأبقاه ضمن «النفَس المقاوم».
في المطلق، كان خطاب مشعل مشابهاً للخطاب العربي العام، الذي تزخر به بيانات الجامعة العربية في أعقاب القمم الدورية، حتى إنه كاد يلامس مواقف سلطة محمود عبّاس من خطابي أوباما ونتنياهو. وبمقارنة بسيطة، فإن الطرفين كالا المديح لخطاب الرئيس الأميركي، وشدّدا على ضرورة اقتران الأقوال بالأفعال، غير أن مشعل أضاف إلى مواقفه انتقاداً لتطرق أوباما إلى المحرقة اليهودية وصمته عن المجازر الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني على مدى السنوات الماضية، وخصوصاً «المحرقة» الأخيرة في قطاع غزة، التي حملت اسم «الرصاص المصهور».
خطاب رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية جاء ليكرّس تحوّلاً جوهرياً في مواقف «حماس»، بدأه مشعل نفسه في حديثه الأخير لصحيفة «نيويورك تايمز»، وطوره رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنيّة خلال استقباله الرئيس الأسبق جيمي كارتر. تحوّل هو عبارة عن القبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة مع إزالة المستوطنات وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني، التي تذكرها مشعل فجأة رغم أنها لم تصمد أكثر من أشهر من توقيعها في أواخر عام 2006.
الجديد في خطاب «حماس» عموماً، ومشعل خصوصاً، أنه في ظرف أقل من أسبوعين، ترسخت فكرة قبول الحركة الإسلامية ضمناً بفكرة حل الدولتين، من دون أن يتضمن اقتراح هدنة السنوات العشر، التي كانت «حماس» تعلنها في السابق، ما يمثّل مرحلة جديدة في استراتيجيا الحركة الإسلامية. موقف مشابه لبدايات التحوّل في حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينيّة، ولا سيما في مضمون هذه الدولة الذي أصبح خاضعاً للمفاوضة والمساومة، سواء بالنسبة إلى القدس أو المستوطنات أو اللاجئين أو حدود عام 1967.
أما المقاومة، فقد كان لافتاً أن التأكيد عليها جاء في ترتيب الخطاب بعد إعلان قبول الدولة الفلسطينية، فشدّد مشعل على «الحق في المقاومة حتى استعادة الحقوق»، لكنه لم يوضح ماهيّة هذه الحقوق بالنسبة إلى الحركة الإسلاميّة. هل هي استعادة كامل الأرض والقضاء على إسرائيل، كما هو وارد في ميثاق «حماس»، الذي أقر مشعل في حديثه لـ«نيورك تايمز» بأنه بات قديماً، أم الحقوق التي حددها في رسمه لصورة الدولة الفلسطينية بالمفهوم الجديد لـ«حماس».
واللافت أيضاً كان إبداء مشعل استعداد الحركة للدخول في العملية السياسيّة التفاوضية، وهو ما كانت ترفضه «حماس» منذ تأسيسها، وحتى عندما تسلّمت الحكم. فقد ورد في خطابه دعوة إلى الزعماء العرب إلى اعتماد «استراتيجية عربية فلسطينية جديدة تفتح الخيارات وتجمع بين المقاومة والسياسة». وأبدى استعداد «حماس» «للتعاون والشراكة مع الدول العربية في بناء هذه الاستراتيجية الجديدة والعمل لتنفيذها».
العبارة تحمل تبدّلاً واضحاً في موقف الحركة الإسلامية، التي كانت إلى الأمس القريب تترك المسألة التفاوضيّة للرئيس محمود عبّاس، من دون أن تقترح دوراً لنفسها فيها أو العمل المقاوم ضمن تطوراتها.
معطيات كثيرة تؤكد أن لهجة الخطاب العالية لم تمنع مشعل من إمرار إشارات إلى التحولات.