الأوروبيّون يعارضون السيطرة الأمنيّة للاحتلال على الضفة الغربية: ستضرّ بعبّاسرغم التهليل الدولي بخطاب نتنياهو بشأن «الدولة الفلسطينية»، إلا أن هذا لا يمنع بقاء التشكيل في فحوى الخطاب، حتى من قبل الإسرائيليين أنفسهم، الذين أقرّوا، أمس، بأن «الدولة» التي قصدها نتنياهو ليست بالمعنى التقليدي للكلمةأوضح السفير الإسرائيلي الجديد في واشنطن، مايكل أورن، أمس، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يعرض على الفلسطينيين دولة «بالمعنى التقليدي». وأضاف لوكالة «رويترز» أنه «عندما يستخدم رئيس الوزراء والحكومة كلمة (دولة) الآن يجب إضافة عدد من التوضيحات لها حتى يفهم أن ما نتحدث عنه هنا ليس دولة بالمعنى التقليدي، مثلما فُهم على نطاق واسع، وإنما دولة سيكون عليها بعض القيود الجوهرية على سلطاتها».
ولفت أورن، وهو متخصص في علم التاريخ وخبير بشؤون الشرق الأوسط، إلى أن «هذا هو السبب في التردد المبدئي حتى لاستخدام كلمة (دولة) لأنه عندما تقول (دولة) فإنها تحمل عدداً من الافتراضات معها».
وتابع أورن أن «إسرائيل تريد دولة فلسطينية في المستقبل لها كل سلطات الدولة التي تتمتع بالسيادة، باستثناء تلك التي يمكن أن تهددنا، مثل وجود جيش نظامي يملك دبابات وقوة جوية». وتوقع أن «تكون الضمانات التي تطالب بها إسرائيل مكتوبة، وقارن بينها وبين الضمانات التي قدمتها واشنطن في ختام اتفاقات السلام في كامب ديفيد عام 1979 بين إسرائيل ومصر». وأكد وجود تفاهم قديم في واشنطن حول الحاجة إلى «قوة شرطة» فلسطينية تحفظ «الأمن الداخلي وتحرس الحدود، لكن من دون أن تهددنا».
وفي السياق، قال دبلوماسيون غربيّون إن كلمة نتنياهو ومطالبته بضمانات وضعتا إدارة أوباما وشركائها في اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط (الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) في موضع صعب، وإنه حتى لو وافقت واشنطن بطريقة غير رسمية على كل مطالب نتنياهو فإن الإعلان عن مثل هذه القيود الكاسحة على السيادة الفلسطينية سيضرّ بوضع الرئيس محمود عباس المدعوم من الغرب داخل الأراضي الفلسطينية من خلال التوضيح للفلسطينيين مدى صغر السلطات التي ستحصل عليها دولتهم في نهاية المطاف.
وتوقّع دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى مقاومة داخل الاتحاد الأوروبي، لأن تعريف نتنياهو لنزع السلاح يعني أن «السيطرة الأمنية ستبقى في أيدي إسرائيل» حتى بعد إقامة دولة في الضفة الغربية التي تخضع الآن للاحتلال الإسرائيلي وفي قطاع غزة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسيين قولهم إن اقتراحاً أميركيّاً بإرسال قوات من حلف شمالي الأطلسي إلى الضفة الغربية المحتلة في إطار اتفاق الدولة في المستقبل قوبل بالرفض من جانب المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس أنه غير قابل للتنفيذ، وأن مسؤولاً إسرائيلياً رفيع المستوى نقل عن نتنياهو «أنه لا يفكر في قوات دولية أو في مراقبين دوليين، وأنه متشكك للغاية في ما يمكن أن تفعله القوات الدولية».
من جهة أخرى، ندد أحد أبرز الكتّاب المعروفين في إسرائيل، ديفيد غروسمان، بخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشروطه الصعبة. وتحت عنوان «بنزاهة وجرأة» كتب غروسمان «مرة جديدة يمكن الإسرائيليين أن يعتقدوا أنهم قدموا عرضاً جريئاً وسخيّاًً، فيما هم قاموا بالواقع بتسوية في ما بينهم تجمع القلق والتبرير الذاتي وضعف الوسط اليمين والوسط اليسار». وأضاف أن الخطاب لا يردم على الإطلاق «الهوة مع الوقائع القاسية ولا يلبي الطلبات المشروعة للفلسطينيين المدعومين من أكبر قسم من المجموعة الدولية بما يشمل الولايات المتحدة». وتابع «باستثناء الاعتراف بمبدأ الدولتين، انتهى الأمر بنتنياهو إلى الإقرار به تحت الضغط وخلافاً لإرادته، فإن هذا الخطاب لم يتضمّن شيئاً ملموساً». وأخذ على نتنياهو أنه لم يتحدث بـ«جرأة ونزاهة» كما وعد، متجنباً معالجة الدور المدمر للاستيطان لكونه عقبة أمام السلام. ولم يصارح المستوطنين ولم يقل لهم ما يعرفه تماماً «ان خريطة المستوطنات تتناقض مع خريطة السلام، وعلى غالبيتهم الرحيل».
ولم يوفر غروسمان الفلسطينيين أيضاً، معتبراً أنهم «أسرى مثلنا (الإسرائيليين) لردود فعلهم التلقائية». ورأى أنهم أخطأوا برفضهم الخطاب رفضاً قاطعاً وفعلوا ما كان يريده نتنياهو.
وفي السياق، أوضح الكاتب الإسرائيلي المشهور، أ. ب. يهوشع، أن «الاعتراف اللفظي لا يخلق دولة فلسطينية والأفعال على الأرض في أحيان متقاربة وضعت مصاعب أخرى أمام تحقيقها في الواقع».
ووصف شرط تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح الثقيل والمتطور بأنه ضروري، لافتاً إلى أن «مصر الكبرى والمستقلة وافقت على تجريد سيناء من السلاح»، فضلاً عن أن «رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل شرط معقول ومنطقي ومحق»، إلا أنه وصف الشرط الذي طرحه نتنياهو للاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية، هو شرط زائد، لأنه لا يوجد ما يدعو إلى الطلب من الفلسطينيين الاعتراف بقومية الشعب اليهودي، موضحاً أن مثل هذا المطلب لم يقدم شرطاً للسلام من مصر ولا من الأردن.
وتابع يهوشع أن «ماهية القومية اليهودية أمر معقّد حتى بالنسبة إلى اليهود أنفسهم، وأن المفاوضات على إقامة دولة فلسطينية ستكون في كل الأحوال مليئة بالمشاكل والعراقيل». ودعا إلى التركيز على حل المشاكل الأساسية كتجريد الدولة من السلاح، والمستوطنات، والحدود واللاجئين.
(رويترز، أ ف ب، الأخبار)