اللافت في جولة العقود النفطيّة العراقيّة التي تمت أمس، هو أنّها تزامنت مع إعادة تمركز القوّات الأميركيّة في بلاد الرافدين. هل تمّت المهمّة العسكريّة وحان «حصاد الوقود»؟ هذا ما كان يتمنّاه مديرو الشركات النفطيّة و«إدارة ديك تشيني»
«اجتياح العراق بهدف السيطرة على نفطه»، فرضيّة دغدغت عقول البراغماتيّين وغير العمليّين على حدّ سواء في حقول السياسة والتخطيط الاستراتيجيّ والاقتصاد. قد تكون ظهرت ظهوراً خيالياً في بعض المقالات والتعليقات الصحافيّة الشرقيّة والغربيّة، لكنّها تبقى إلى حدّ بعيد الحجّة الأكثر منطقيّة لتبرير اجتياح بلاد الرافدين من ذريعة أنها «محكومة من ديكتاتور». فالعالم مليء بالمتسلّطين وبالأنظمة القمعيّة، لكن العراق لديه احتياطي نفطي مؤكّد يبلغ 115 مليار برميل، وفقاً للتقديرات في عام 2008.
وبعد الاجتياح بأكثر من 7 سنوات، وتزامناً مع إعادة تمركز القوّات الأميركيّة وخروجها من المدن العراقيّة، تظهر من جديد عقدة أسباب الاجتياح ومعها عقدة بقاء الولايات المتّحدة سجينة احتياجاتها الطاقويّة.
فبحسب تقرير «تحدّيات سياسيّة استراتيجيّة للقرن الـ21»، الذي انتهى إعداده في نيسان عام 2001، أي قبل الاجتياح بعامين، ظهرت دعوة واضحة من المديرين التنفيذيّين للشركات النفطيّة الأميركيّة الكبرى لاجتياح العراق بهدف السيطرة على نفطه.
اللافت في التقرير هو أنّه أُعدّ لمكتب نائب الرئيس حينها، ديك تشيني، من «معهد جيمس بايكر للسياسة العامّة والمجلس الأميركي للعلاقات الدوليّة»، وهذان المجمعان البحثيّان يمثّلان تقارباً واضحاً مع الصناعة النفطيّة ومطابخ السياسة الخارجيّة.
فاللجنة الاستشاريّة التي أسهمت في صياغة التقرير ضمّت المدير التنفيذي في شركة «Shell» النفطيّة لويس جيوستي، والمدير الإقليمي لشركة النفط البريطانيّة «British Petroleum»، والمدير التنفيذي لشركة «ChevronTexaco» دايفيد أورايلي.
كذلك فإنّ جيمس بايكر، قبل أن يصبح وزير خارجيّة في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، عمل محامياً بارزاً في قطاع النفط. وهو كان أحد أبرز الوجوه في عمليّة إعادة فرز أصوات ولاية فلوريدا في الانتخابات الرئاسيّة عام 2000 التي أوصلت جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض.
التقرير شدّد على أنّ «العراق يبقى عاملاً يمنع الاستقرار في عمليّة تدفّق النفط إلى الأسواق العالميّة من الشرق الأوسط». وهذه العبارة تكفي لإطلاق صفّارة الإنذار مجدّداً في شأنّ المصالح الاستراتيجيّة للولايات المتّحدة التي تعدّ المستهلك الأوّل للنفط.
كذلك يتطرّق التقرير إلى فكرة أنّ الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين أظهر نيات للتهديد باستخدام سلاح النفط، لذا على الولايات المتّحدة إجراء إعادة نظر شاملة متعلّقة بسياستها حيال العراق» ولها جوانب تقويم «عسكريّة واقتصاديّة وسياسيّة ـــــ دبلوماسيّة».
هذا التقويم هو تحديداً ما قامت به الإدارة الأميركيّة بقيادة تشيني. وجرى اجتياح العراق، لكن من دون احتساب «العواقب» التي تمثّلت بفوضى أمنيّة وسياسيّة شاملة لم يستطع الأميركيّون السيطرة عليها. وهم إذ يعلنون الانسحاب من المدن، فإن العراق يُطلق عمليّة تطوير صناعته النفطيّة التي كانت السبب الأساسيّ للاجتياح.
لكن الجولة الأولى من عقد الاتفاقات كانت معقّدة جداً، حيث رفعت بغداد سقف مطالبها إلى الحدود القسوى، ولم يُتَّفَق إلا مع شركة واحدة هي كونسورتيوم تقوده «BP». واتسم المزاد العلني بطابع الفشل. غير أنّ رئيس الوزراء، نوري المالكي، رفض هذا التوصيف، مشيراً إلى أنّ بلاده ترعى مصالحها «بنوع من التعاقد في مجال النفط» بعد 8 أعوام على وقوعها في فخّ المؤامرة النفطيّة الأميركيّة.
(الأخبار)