تعيش الدولة العبرية منذ اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية هاجساً أمنياً لم يهدأ. تارة تتحدث عن خطط لخطف إسرائيليين أو استهداف مصالحها أو سفاراتها، وتارة أخرى عن إحباط محاولة اغتيال لسفرائها في بعض العواصم العربية، فهي تخشى الانتقام في «أي زمان أو مكان»، لذا تبحث عمّا تدّعي أنها «مناطق نفوذ» للحزب في العالم، إحداها في «المثلّث الحدودي» اللاتيني
شهيرة سلوم
اختتم وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قبل أسبوعين جولة لاتينية شملت كولومبيا والبيرو والأرجنتين، البلد الذي يضم أكبر جالية يهودية في أميركا الجنوبية، والبرازيل، الدولة العملاقة في المنطقة. هدف الزيارة تطويق النفوذ الإيراني، ومن ورائه منطقة «نفوذ حزب الله»، مدّعياً أن الدولة العبرية تملك معلومات استخبارية عن أن الحزب يخطط لشنّ هجمات ضدّ أهداف غربية وإسرائيلية انطلاقاً من تلك المنطقة انتقاماً لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية.
منطقة النفوذ، التي يقصدها ليبرمان وتدّعيها التقارير الإعلامية والاستخبارية الغربية، تقع في منطقة التقاطع الحدوديّة بين دول أميركا الجنوبية الثلاث: الباراغوي والبرازيل والأرجنتين بالقرب من مدن، سيداد ديل إيستي، وألتو بارانا، وبويرتو إغواسو، وميسيونز، وفوز ديغواسو، وبارانا، التي تقطنها غالبية من المهاجرين العرب وتحديداً اللبنانيين.
تدّعي الولايات المتحدة أن منطقة الحدود الثلاثية هي الجنة الآمنة لنشاطات من تسميهم الجماعات «الإرهابية»، وتحديداً حركتي «حزب الله» اللبناني و«حماس» الفلسطينية. وبين الفينة والأخرى تُطلق تحذيرات حول وجود «نفوذ» ونشاط للحزب في أميركا اللاتينية، من ضمنها ما ادّعاه قائد القوات الأميركية في المنطقة، جيمس ستافريديس، خلال جلسة استماع للجنة العسكرية في مجلس الشيوخ في آذار 2009، حول نشاط حزب الله في الجزء الجنوبي من القارة وعلاقته بتجارة المخدرات في كولومبيا. لكن معظم تقاريرها تعبر عن «قلق» أكثر منه معلومات حسية عن نشاطات للحزب.
ففي تقرير عن الإرهاب لعام 2008، تقول وزارة الخارجية: لا معلومات مؤكّدة تدل على أن «حزب الله» أو «حماس»، أو غيرهما من المجموعات الإسلامية الأصولية، استخدمت منطقة الحدود الثلاثية من أجل القيام بنشاطات عسكرية تتناول التدريب أو التخطيط لعمليات إرهابية. لكن «الولايات المتحدة تبقى قلقة» من أن هذه المجموعات تستخدم المنطقة كملاذ آمن لجمع الأموال.
ويدّعي التقرير أن المشتبه في دعمهم للمجموعات «الإرهابية» الإسلامية، ومن ضمنهم حزب الله، يستغلون المناطق الخاضعة لسلطة فضفاضة وغير مباشرة، مثل سيداد ديل إستي في الباراغواي وفوز دايغواسو في البرازيل، من أجل القيام بنشاطات غير قانونية شاسعة، ولجمع التبرعات من المجتمعات الإسلامية المحدودة داخل المنطقة وغيرها في الأرجنتين والبرازيل والباراغواي.

الدول الأميركيّة المعنيّة تعبّر دوماً عن «قلق» أكثر منه معلومات حسية عن نشاطات حزب الله

منذ 2001 قامت الدول الثلاث باعتقال العشرات غالبيتهم من اللبنانيين

ويتطرق تقرير وزارة الخارجية إلى تعاون الحكومات الثلاث مع الولايات المتحدة لمكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، والوثائق المزورة، وتبييض الأموال، والتجارة بالبشر، إضافة الى تصنيع ونقل السلع المهربة عبر تلك المنطقة. ويشير إلى أنه في عام 2002 «دعت الحكومات الثلاث الولايات المتحدة الى الانضمام لمجموعة أمن منطقة الحدود الثلاثية، لتصبح مجموعة «3+1» من أجل التركيز على الخطوات العملية لدعم السيطرة المالية والحدودية وفرض سلطة القانون والمشاركة الاستخبارية.
ويؤكّد التقرير أنه «رغم ما يقولونه عن عدم وجود قرائن ملموسة على وجود تمويل إرهابي في بلدانهم أو في منطقة الحدود الثلاثية، فإن البرازيل والأرجنتين والباراغواي قد قامت بخطوات ملحوظة لإطلاق حوافز من أجل توثيق التعاون بين مؤسسات مكافحة الإرهاب وتطبيق القانون».
وتحدث التقرير الذي سبقه في عام 2007 بشكل مماثل عن منطقة «هذا التهديد» للدول الثلاث التي «شكلت في التسعينيات، قبل أن تنضم الولايات المتحدة اليها، آلية للتصدي لتلك النشاطات غير القانونية، الحدودية». وأكّد أيضاً أن تلك الدول «لا تملك معلومات حسية عن نشاطات للجماعات الإسلامية في تلك المنطقة»، لكنها أعربت عن القلق.
وفي سياق التعاون بين دول «3+1»، جرى اتفاق عسكري بين الباراغواي والولايات المتحدة، مُنح على أساسه «حق الدخول» للجنود الأميركيين إلى أراضي الباراغواي، وهو ما أثار قلقاً بعدما تحدثت أنباء، لم تتأكّد، عن قاعدة عسكرية أميركية، تستضيف أكثر من 20 ألف جندي في ماريسكال إستيكاريبيا. كما وافقت الباراغواي على دخول نحو 400 جندي أميركي في أيار 2006، كجزء من تدريبات عسكرية مشتركة، مثل «برامج محاربة الإرهابيين المتحضرين والأمن العام والمساعدة الإنسانية». لكن الباراغواي قررت في تشرين الثاني من العام نفسه عدم تجديد هذه الحصانة، لما تشكله من انتهاك للقانون الدولي. ثم قررت الحكومات اللاتينية الثلاث تشكيل مركز استخباري مشترك في فوز دي إغواسو للسيطرة على الوضع.
ورغم أن التقارير الرسمية اكتفت بالحديث عن القلق، إلا أن الأنباء عن نشاطات لحزب الله في تلك المنطقة واتهامات بتنفيذ مجموعة من العمليات في أميركا اللاتينية لم تهدأ. فقد ذكرت «سي أن أن» في 2002، مستندةً إلى مصادر استخبارية متنوعة، أن العديد من العمليات التي وصفتها بـ«الإرهابية» الكبيرة، التي استهدفت مصالح أميركية وإسرائيلية في الغرب، قد جرى الإعداد لها في تلك المنطقة. ونقلت عن المصادر قولها إن اجتماعات جرت في تلك المنطقة، حضرها ممثلون عن حزب الله ومجموعات موالية لأسامة بن لادن، مشيرةً إلى أن بعض هذه الاجتماعات قد تكون من أجل منع أو للرد على أي هجوم محتمل على العراق (قبل الاجتياح).
وتدّعي التقارير الغربية نفسها أنه من تلك المنطقة خططت خلايا حزب الله بمساعدة الحكومة الإيرانية، وقيادة الشهيد مغنية، لتفجيرات السفارة الإسرائيلية عام 1992 (22 قتيلاً و200 جريح) ومنظمة التعاضد اليهودية الأرجنتينية (أميا) عام 1994 (85 قتيلاً) في بوينس آيريس وغيرها من التفجيرات، وبينها ذاك الذي وقع في اليوم التالي لتفجير مبنى أميا في طائرة جوية في كولون ـــــ باناما، التي قُتل خلالها 12 يهودياً ورجال أعمال إسرائيليون.
يشار إلى أن التقارير الاستخبارية نسبت التفجير الأول أساساً للفلسطينيين وتأرجحت في الثاني بين سوريا وإيران، فيما تبنى الأخير «أنصار الله» من بيروت. وفقط مع مرور الوقت، أخذت تجمع التهم ضد إيران وحزب الله.
لهذا، بعد اغتيال مغنية، لم يهدأ حديث اسرائيل عن «الانتقام». وأحد السيناريوهات التي طرحتها التقارير الإسرائيلية، هو أن يجري الانتقام انطلاقاً من تلك المنطقة، أكان إعداداً أم تنفيذاً، بمعنى أن تشكل المصالح الإسرائيلية في أميركا اللاتينية هدفاً للثأر.
وقامت سلطات الدول الثلاث، منذ 2001، باعتقال العشرات من الأشخاص، غالبيتهم من اللبنانيين، بتهم التهريب وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، فيما الدعاية الاستخبارية الإسرائيلية (والغربية) تركز على مشاركتهم في الدعم المالي لمنظمات «إرهابية» مثل حزب الله أو «حماس».
أحد الأسماء التي أثارت جدلاً، أسعد بركات، الذي اعتبرته سلطات الباراغواي هارباً في 2002 وأصدرت مذكرة اعتقال دولية بحقه من أجل ملاحقته. ويُقال إنه الزعيم الأساسي في المنطقة، وهو رجل أعمال يملك شركة «كازا أبولو» في سيداد ديل إيستي «وبركات للاستيراد والتصدير»، وقد اعتقلته السلطات البرازيلية في 2002 بناءً على طلب الباراغواي، وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات ونصف سنة بتهمة التهرب الضريبي. وفي حزيران 2004، قالت وزارة الخزانة الأميركية إن بركات مسؤول عن «التمويل الإرهابي» في أميركا الجنوبية، ولديه روابط وثيقة مع حزب الله. وفي 2004 أوقفت سلطات الباراغواي رجل الأعمال اللبناني، علي خليل مهدي، بادعاء أنه باع برامج مقرصنة بملايين الدولارات وأرسل الأرباح إلى حزب الله. وأيضاً اعتقلت رجل الأعمال محمد طربيان شمص لتهم مماثلة.
وتقول البروباغندا الغربية إن حزب الله لديه خليتان في أميركا اللاتينية، واحدة في فنزويلا، غالبية عناصرها من قبيلة وايو التي اعتنقت الإسلام منذ سنوات بزعامة تيودورو دارنوت. والثانية في الأرجنتين، لديها صلات مباشرة مع إيران عبر الجالية العربية والمنظمة الأرجنتينية الإسلامية «أساي».
ويدّعي تقرير لقناة «أم أس أن بي سي» الأميركية أن الموقع الإلكتروني لمسلّحي حزب الله في فنزويلا يدعو إلى الجهاد ضدّ الولايات المتحدة. وينقل عمّن ادّعى أنه عضو في حزب الله قوله «في الولايات المتحدة الكثير من العرب، وفي كندا أيضاً.... إذا ضُربت قنبلة واحدة على إيران، قنبلة واحدة، فسيرى (الرئيس الأميركي) العالم يحترق».


Tri border region



يتركز سكان المنطقة الحدودية أو Tri border region في ثلاث مدن رئيسية هي سيداد إيل آيستي وبويرتو إغواسو وفوز ديغواسو. سيداد إيل آيستي هي أكبر تلك المدن مساحةً، يبلغ عدد سكانها نحو 240 ألف نسمة، أما أصغرها فهي بويرتو إغواسو الأرجنتينية وتعدُّ نحو 28.100 نسمة، فيما يبلغ عدد سكان المدينة البرازيلية السياحية فوز ديغواسو نحو 190 ألف نسمة.
ويشكل المهاجرون العرب نسبة هامة من السكان، نحو 50 ألف نسمة، غالبيتهم لبنانيون مسلمون. انتقل معظمهم إلى المنطقة، التي تجد فيها العديد من المساجد ووسائل الإعلام العربية، في بداية الحرب الأهلية. ويقول أحد التقارير من الطبيعي أن ترى أعلام وقمصان حزب الله و«حماس» وأناشيدهما تترندح وتتجول في ساحات فوز دي إغواسو.