strong>اقتصاديو الأحزاب متردّدون في حسم خياراتهم الاجتماعيةالسياسات الاجتماعية ستبقى كما هي، أو هذا ما يمكن استنتاجه من استطلاع آراء اقتصاديي الأحزاب، وحده التيار الوطني الحر يشذّ عن القاعدة، فيرفض مشروع البطاقة الصحية، ويطالب بالتغطية الصحيّة الشاملة، أمّا حزب الله، فيقبل البطاقة ممراً انتقالياً إلى النظام الصحي الجديد

رشا أبو زكي
يمثّل الإنفاق الوطني على الخدمات الاجتماعية الرئيسة أكثر من 21 % من الناتج المحلي، فيما نوعية الخدمات المقدمة لا ترتقي إلى مستوى الإنفاق المرتفع هذا، الأسباب عديدة، وأهمها يعود إلى غياب السياسة الاجتماعية الشاملة والمتكاملة، وغياب السياسات القطاعية وذلك رغم أنه تعاقب على حقائب الوزارات الاجتماعية معظم الأحزاب المسيطرة على السلطة منذ ما بعد الطائف، إضافةً إلى الأحزاب المستجدة... فهل ستقوم الأحزاب بنقد ذاتي لتنسجم مع خطابها العام الداعي إلى تأمين الحقوق الطبيعية للمواطنين؟ الواضح أن لا حلول في الأفق، فالأحزاب التي ستدخل الحكومة المقبلة التزمت كلها ومن دون استثناء خلال جلسة للمفوضية الأوروبية عقدت في لبنان في نيسان 2008، بـ «تأمين تغطية صحية شاملة لجميع اللبنانيين، بتمويل من الضرائب لا الاشتراكات، وإيجاد نظام ترسملي ـــــ تكافلي لضمان الشيخوخة يضم كذلك جميع اللبنانيين»... لم يفِ أيّ من الأحزاب بوعده، لا بل إن وزير الصحة محمد جواد خليفة، سارع إلى طرح مشروع البطاقة الصحية المتناقض مع التزامات كتلته في جلسة المفوضية الأوروبية... وجاراه بذلك معظم الأحزاب، باستثناء التيار الوطني الحر، إذ يقول رئيس اللجنة الاقتصادية في التيار نقولا الصحناوي «دفعوا 600 مليون دولار فوائد وامتيازات لجهات خاصة قريبة من زعماء الحرب بدلاً من دفع 600 مليون دولار لكي يصبح لكل اللبنانيين حق الضمان الشامل، فإذا أمّنا الطبابة نكون على طريق خفض الهجرة»... لافتاً إلى أن التيار سيدافع عمّا التزم به في المفوضية الأوروبية، ولن يسير في مشروع البطاقة الصحية بديلاً عن نظام التغطية الصحيّة الشاملة، كما أنّه سيصرّ على إقرار اقتراح القانون الذي قدّمه إلى المجلس النيابي لنظام ضمان الشيخوخة.
أمّا حزب الله، فلديه وجهة نظر مختلفة، إذ لا يمانع الاقتصادي في الحزب عبد الحليم فضل الله، في أن يكون مشروع البطاقة الصحية بمثابة مرحلة انتقالية، لأنه، في رأيه، لا يتناقض مع ما جرى الالتزام به في جلسات المفوضية الأوروبية، فالبطاقة يمكن أن تكون الحل المؤقت للوصول إلى الضمان الشامل! لافتاً إلى أن الحزب سيدرس مشروع الضمان الشامل ليكون بديلاً عن البطاقة أو مكمّلاً لها. والحزب يضع المسألة الاجتماعية أولوية، ومنها إصلاح النظام التربوي والقضاء على الاحتكارات ومكافحة الفقر.

تشابه لا يطمئن!

نحاس: القضايا الاجتماعية لا تضغط على الأحزاب وإلّا لكانوا «شغّلو راسن شوي»
ويشير الاقتصادي في تيار المستقبل مازن حنا إلى أن الإنفاق على القطاع الاجتماعي كبير إلا أن عائداته ليست بالمستوى نفسه، لذلك يجب تحسين نتائج الإنفاق، ويوضح أن الأحزاب السياسية تتشابه بنسبة 95% في نظرتها إلى السياسة الاجتماعية، لكن ثمّة خلل في التطبيق يستلزم الإصلاح. ويشير حنا إلى أن تيار المستقبل لا يزال ملتزماً بما اتُّفق عليه في جلسات المفوضية الأوروبية، إلا أنه يستدرك: «سنمشي وفق ما تقرره الأكثرية في مجلسي الوزراء والنواب»!
أما الاقتصادي في حزب الكتائب ملحم سعد، فيرى أن الأزمة الكبرى هي في القطاع الصحي، إذ ليس هناك سياسات واضحة، لافتاً إلى أن الحزب ملتزم بمشروع خليفة المتعلق بالبطاقة الصحية، معتبراً أنها تؤمن الاستشفاء لجميع اللبنانيين، فيما مشروع الضمان الشامل يحتاج إلى تمويل.

اقتراحات قديمة ــ جديدة

ويقول رئيس مكتب المهن الحرة في الحزب التقدمي الاشتراكي أنيس أبو دياب، إنه لا بد من إصلاح نظام التقديمات الاجتماعية، وذلك لترشيد الإنفاق ووقف الهدر الحاصل وتحسين نوعية الخدمات وشروط الاستفادة منها، وخصوصاً من جانب الفئات الفقيرة من دون أي نوع من أنواع الاستغلال السياسي والمذهبي. وهذا يتطلب، وفق أبو دياب، رسم سياسة اجتماعية تقوم على المبادئ الآتية: مرجعية الدولة في الدور الاجتماعي، تحقيق مبدأ التكامل والتضامن بين أرباب العمل والعمّال والدولة، وتنظيم اليد العاملة الأجنبية، واعتماد سلم متحرك للأجور يربط بين التقديمات الاجتماعية والتضخم، وإعداد برامج لمكافحة الفقر، مشدّداً على رفض خصخصة الضمان «بالمطلق»... إلا أن هذه الإيجابية تنتهي بإعلان أبو دياب موافقة الحزب على مشروع البطاقة الصحية، وتوحيد الصناديق الضامنة، فيما مشروع الضمان الشامل سيبقى رهن الدراسة!
أما رئيس الهيئة التنفيذية في حركة أمل، محمد نصر الله، فيختصر مشروع الحركة بالعبارة التالية «حركة أمل ترى أن المرض المزمن في لبنان هو النظام الطائفي، وعليه فإن الحركة ترى أن يكون هناك حقوق للفرد قبل أن تكون هناك حقوق للطائفة. إن الإصلاح الاجتماعي يبدأ من عملية الولاء للوطن المتساوي الحقوق لجميع أفراده».

أحزاب مأساوية

ويقول خبير اقتصادي فضّل عدم ذكر اسمه، إن ممثلي الأحزاب في جلسات المفوضية الأوروبية التزموا بمشاريع تتناقض مع قناعاتهم التدميرية بالاقتصاد والوضع الاجتماعي... ويشير إلى أنه داخل هذه الأحزاب ليس هناك مراكز على قدر من الوعي لتعرف بالمندرجات التفصيلية للمشاريع التي يوقّعونها، وهذه مأساة تنتهي بتوقيع الأحزاب مواثيق، ومن ثم انسحابهم منها، لكونها لا تتوافق مع مصالحهم الخاصة.
أما الخبير الاقتصادي شربل نحاس، فليفت إلى أن الأحزاب تكون غالباً في وضعية ردّ الفعل، وأن ما يقولونه يشير إلى أنهم لا يرون أن القضايا الاجتماعية تعدّ من المسائل الضاغطة أو الملحة، وإلّا لكانوا «شغّلو راسن شوي». ويضيف «قصة البطاقة الصحية لا تختلف في منطقها عن الضمان الاختياري الذي هو في حالة إفلاس كامل، والدولة لا تبدي أي نية في تغطية العجز القائم... فلماذا هي مستعدة لدعم البطاقة الصحية؟»، مشدداً على ضرورة السير بمشروع الضمان الشامل وضمان الشيخوخة لكي يحفظ للبنانيين حقهم في الاستشفاء وضمان شيخوختهم كغالبية شعوب العالم.


4.4 مليارات دولار

هو إجمالي الإنفاق على البنية التحتية المرتبطة بالمخرجات الاجتماعية بين 1995 و2005، ولم يتناسب مع توزّع الفقر في 1995، فقد حظيت بيروت بـ16% من إجمالي الإنفاق الاستثماري، ولم يكن فيها إلا 8% من الأسر المشبعة بالحاجات الأساسية



«من شو مبسوطين؟»