ليس من الغريب أن تتوافق رؤية وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لتهدئة الأوضاع المتوترة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تماماً مع سقف المطالب الإسرائيلية المصرة على بسط السيطرة الكاملة والوحيدة على المسجد الأقصى وإبعاد الفلسطينيين عنه. وإذا كان الميدان وتطوراته قد سبقت الحلول الهادفة للعودة إلى المرحلة الماضية وظلمها للفلسطينيين، فلن يكتب النجاح للحل الأميركي الجديد، بعدما اقتصر على تحويل التفاهمات الشفوية إلى مكتوبة.
مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى ومطلعون على المساعي الأميركية لـ«الحل المرتقب» أشاروا في حديث إلى موقع صحيفة «هآرتس» أن كيري يرى الحل في «توضيح» التفاهمات حول الأقصى، بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والملك الأردني، عبد الله الثاني، كما اتفق عليها الجانبان في تشرين الثاني من العام الماضي، وبما بات يعرف باتفاق «الوضع القائم».
ووفق كيري، يفترض بإسرائيل والأردن «ترقية» التفاهمات حول المسجد إلى تفاهمات مكتوبة، مع جهاز متفق عليه بين الجانبين، يوكل إليه حل القضايا الخلافية والشكاوى، والحؤول دون تطورها إلى تصعيد في الأقصى، وهو أمر مفقود حالياً. ونقلت الصحيفة أن اتصالات كيري مع الجانب الإسرائيلي وأيضاً مع الجانب الأردني، أظهرت أنهما معنيان في الانخراط في مسار يرفع أي «التباس حول حقيقة ما يجري في الحرم».

وتزامناً مع الحل الأميركي المرتقب، أكد نتنياهو أن إسرائيل تسعى إلى تهدئة الأوضاع الأمنية في الأقصى، وفي الضفة المحتلة ومحيط قطاع غزة، لأن «أيَّ تردٍّ في وضع أي منها، يؤثر سلباً بالأوضاع في الأماكن الأخرى». وجدد نتنياهو القول إنه «ليست هناك أي نية لدى الحكومة الإسرائيلية، لتغيير الوضع القائم في القدس»، لكنه شدد في المقابل على أن «إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي تحمي المسجد الأقصى، وغيره من المقدسات الإسلامية».
رئيس وزراء العدو رفض الربط بين الاستيطان والهبّة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، محاولاً التقليل من أهمية هذا العامل الذي يسلب الفلسطينيين أرضهم وأملاكهم وتطلعاتهم لإقامة دولة على ما بقي لهم من فلسطين. وأشار إلى أن كل رؤساء الحكومات الإسرائيليين السابقين بنوا مستوطنات بنسبة أكبر بكثير من نسبة البناء الحالي، لافتاً إلى أن الربط بين الاستيطان و«موجة الإرهاب الحالية ربط كاذب».
وأضاف مركّزاً على الاستيطان في الضفة دون القدس المحتلة، أنه «في ولايتي انخفض عدد الوحدات الاستيطانية في المعدل العام إلى 1500 وحدة في العام الواحد، فيما بنت حكومة إيهود أولمرت 5000 وحدة، وحكومة أريئيل شارون 1900 وحدة». ومضى قائلاً: «الإرهاب قائم وموجود قبل أن تكون إسرائيل، وعندما أقيمت إسرائيل. سبب العنف هو عدم استعداد الفلسطينيين للاعتراف بوجود دولة الشعب اليهودي»، محمّلاً «التحريض» مسؤولية الدفع باتجاه «الإرهاب»، لكنه أضاف هذه المرة إلى المحرضين «إدارة موقع التواصل الاجتماعي، فايسبوك».
في غضون ذلك، ذكر نتنياهو في مقابلة خاصة مع صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنه مصمم على «تجفيف الحنفية المالية للحركة الإسلامية» في فلسطين المحتلة، مشيراً إلى أنه قرر اعتبار أي تحويل مالي إلى هذه الحركة «مخالفاً للقانون». وتابع: «ستُجفَّف موارد هذه الحركة المحرضة على العنف، من الجبهات كافة».
وأشارت «إسرائيل اليوم» إلى أن تمويل «الحركة الإسلامية» يأتي من «حركة الإخوان المسلمين في تركيا وفي مصر، أما من الداخل، فيأتي من مصادر مختلفة». وأوضح نتنياهو أن «أنشطة الحركة في القدس تكلف أموالاً. إنهم يرسلون الباصات إلى الحرم ويدفعون للناشطين والأتباع، ويتجمعون في الساحات، وكل ذلك يكلف أموالاً، وسنعالج ذلك جذريا».

بان كي مون في زيارة مفاجئة: أتفهّم الإحباط

بجانب التحركات الأميركية التي بدأت منذ أيام، وصل أمس الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى فلسطين للقاء مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، داعياً إياهم إلى التحرك بسرعة لوقف «دوامة العنف الخطيرة» وقال: «في أثناء لقاءاتي اليوم وغداً (أمس واليوم) مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين سأدعو كلاً منهم إلى بذل جهود مشتركة للحد من الحوادث من الجهتين».
وكان بان قد سبق زيارته بنشر مقطع مصور قال فيه مخاطباً الشباب الفلسطينيين: «إنني أتفهم إحباطكم، وأعلم أن آمالكم في السلام قد تحطمت مرات لا تحصى. أنتم غاضبون بسبب استمرار الاحتلال وتوسع المستوطنات. الكثيرون منكم يشعرون بخيبة أمل تجاه قادتكم وتجاهنا والمجتمع الدولي، بسبب عجزنا عن إنهاء هذا الاحتلال». لكنه طالب «قادة فلسطين»، بأن يستفيدوا من طاقة شعبهم «بصورة سلمية لجعل أحلامهم وتطلعاتهم حقيقة. لديكم الحق في أن تعيشوا حياة لائقة بكرامة واحترام وحرية، لكنه لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب في السلام مع إسرائيل، لا من طريق أعمال العنف التي نشهدها».
وأضاف: «لا أطالبكم بأن تكونوا سلبيين، لكن يجب أن تلقوا أسلحة اليأس. أشعر بالاستياء كما يجب أن نشعر جميعاً عندما أرى شباباً وأطفالاً يحملون أسلحة ويسعون إلى القتل».
أما للإسرائيليين، فقال: «أتفهم أيضاً الغضب الذي يشعر به كثيرون من الإسرائيليين عندما يخاف الأطفال من الذهاب إلى المدرسة عندما يصبح أي شخص في الشارع ضحية محتملة، لكن الجدران ونقاط التفتيش والاستجابات القاسية من قوات الأمن وعمليات هدم المنازل لن تديم السلام»، مضيفاً: «الأمم المتحدة تقف إلى جانبكم، وسنواصل دعم كل الجهود لتوفير الظروف للعودة إلى المفاوضات».