9 أشهر قضاها منتظر الزيدي في معتقل لا يجدر أن يكون غريباً عنه، وهو الذي سبق أن خُطف واعتُقل سابقاً. ماذا عن المسار القانوني الذي طبع قضية الزيدي؟ وكيف سيتحدى منتظر من يرغب بمغادرته، ويبقى في العراق؟
بغداد ــ زيد الزبيدي
مشكلة «اليوم الواحد» التي افتعلتها السلطات العراقية، لتبرير تأخير إطلاق سراح الصحافي ذي الحذاء الشهير، منتظر الزيدي، لم يكن لها ما يبررها سوى الإشارة إلى أنّ العراقيل والصعوبات ستكون بانتظاره بعد إطلاق سراحه، وان كان الادعاء أن سبب التأخير هو الاختلاف بين أعضاء المحكمة على احتساب عدد الأيام التي قضاها في السجن.
وأعطى تأخير إطلاق الزيدي فسحة للعراقيين للتندّر على ما وصلت إليه الأوضاع. ورأى بعضهم ساخراً أن سجّاني الزيدي «لا يطيقون فراقه»، بينما قال آخرون إن سبب التأخير كان لشراء حذاء جديد للزيدي، بدلاً من الحذاء الذي قذفه على جورج بوش، والذي قالت الحكومة إنها أتلفته خشية أن تكون فيه متفجرات، رافضة عروضاً عديدة لعراقيين وعرب وأجانب بشرائه في مقابل مبالغ مغرية.
لكن، يبدو أن هناك من يريد إفهام الزيدي أنه «لا مكان له في العراق»، في ردّ مبطّن على ما أفاد به بشأن عدم وجود رغبة لديه بالهجرة، وأنه سيعود إلى عمله في قناة «البغدادية»، التي تبنّت قضيته، كما سبق أن تبنّت حملة لإطلاق سراحه عندما اختطفه «مجهولون» في 16 تشرين الثاني عام 2007.
في كل الأحوال، يبقى الزيدي، صورة للإعلام الحر، وتبقى قضيته صورة لتذبذب «السياسة» في العراق، لأن الحكم عليه كان على خلفيات سياسية خارجية، وتغيرت مجريات الحدث مع تغير الوجوه، والسياسات إلى حدّ ما، في دولة الاحتلال.
فبعدما كان منتظر يواجه حملة شرسة لإنزال أقصى العقوبات بحقه، «لاعتدائه على رئيس دولة كبرى يحلّ ضيفاً على العراق»، تغيّر اتجاه الأحداث، وتغيرت معها التهمة الموجهة إليه، ومن ثمّ خُفض الحكم، وأخيراً أُطلق سراحه بناءً على «شهادة حسن السلوك»، التي تعفي المحكوم من ربع مدة الحكم، أي إن توقيت إطلاق سراح الزيدي بموافقة حكومية، تزامن مع الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقبلة.
وسبق أن حُكم على الزيدي بالسجن ثلاث سنوات، إلا أن محكمة التمييز قررت خفض الحكم إلى سنة واحدة، بعد انتهاء ولاية جورج بوش، ووصول الرئيس الجديد باراك أوباما الذي وجه بعض الانتقادات لسياسة سلفه، وهي التي كان لها تأثيرها، بحسب الكثير من المراقبين، على قضية الزيدي، ولا سيما أن خفض مدة المحكومية تلى أول زيارة قام بها أوباما إلى العراق.
ورأى مراقبون أن مواقف أوباما شجّعت محكمة التمييز على النطق بـ«إعلان سياسي»، خالف الرأي الذي كان رئيس الوزراء نوري المالكي قد تبنّاه، والذي عدّ فيه الحكم الأول على الزيدي بالسجن 3 سنوات، «خفيفاً»، معلِّقاً بأنه كان «محظوظاً في الحصول على حكم كهذا».
واللافت أنّه عندما رشق الزيدي حذاءيه، لاقى استحساناً واسعاً حتى في أوساط شعبية واسعة في قلب الولايات المتحدة. إلا أن جهات سياسية، ومعها أجهزة إعلامية محلية، انبرت إلى تصوير الزيدي بأنه إرهابي، وأشاعت أنه التقى قبل يوم واحد من «فعلته المعيبة»، أحد قادة تنظيم «القاعدة» في العراق، وأنه سبق أن عمل مع الجماعات المسلحة، بدليل اعتقاله قبل شهور من «جهة مجهولة»، وما إلى ذلك من فبركات سرعان ما انكشف زيفها عندما عُرِّف بشخصية منتظر على أنه«شيوعي من الخط الغيفاري». وكانت هذه التهجمات على الزيدي أهم نقطة استند إليها فريق محاميه لإثبات براءته في مقابل همجية أفراد حماية المالكي الذين أشبعوه ضرباً وركلاً في قاعة المؤتمر الصحافي على مرأى الرأي العالمي برمّته.
وفي رأي المتابعين، فإنّ مجريات المحاكمة مرت بثلاث مراحل، من الاعتداء، إلى الإهانة، إلى الحق المشروع. ففي البداية، أصرت الحكومة، ممثلة بالادعاء العام، على محاكمة الزيدي بتهمة الاعتداء على رئيس دولة زائر إلى العراق، التي يصل الحكم بموجبها إلى السجن لمدة 15 سنة، بينما طالب فريق الدفاع، الذي ترأسه نقيب المحامين ضياء السعدي، بأن تكون المحاكمة بتهمة الإهانة، لا الاعتداء. إلا أنّ الضغوط التي مارستها الجهات السياسية والإعلامية الموالية للاحتلال، واستمرار حملتها لإدانة الصحافي الذي اعتدى على «محرر العراق»، فتحت ثغرة كبيرة استغلتها هيئة الدفاع، وهي أن «المحرّر»، هو «الغازي المحتل»، وأن زيارته المفاجئة إلى العراق لم تكن رسمية، ما ينزع الاتهامات كلياً عن الزيدي.
ورغم ذلك، صدر الحكم على الزيدي بالسجن 3 سنوات بقرار سياسي. وفي ملابسات القضية، برزت تساؤلات كثيرة عن «اليسار الغائب»، ولماذا هو بعيد أو مغترب في الساحة العراقية التي تناوشتها الكتل الطائفية والقومية الشوفينية والليبرالية التي تميل في الغالب إلى جهة الاحتلال، حتى بلغ التعتيم أو التغييب حدّ طمس الهوية الشيوعية لمنتظر الزيدي.
ومن ضمن التغطية على التيار اليساري، سُجِّل ما أطلقه الساسة الجدد على الزيدي من اتهامات بأنه «بعثي» و«صدّامي»، في وقت عُرف فيه هذا الشخص بتوجهاته اليسارية، ومن هنا جاء رفض الزيدي أن يتولى الدفاع عنه المحامون الذين دافعوا عن صدام حسين وأقطاب نظامه. حتى إن الزيدي أصرّ على أن يكتفي بالدفاع عن نفسه، لولا تطوع مئات المحامين العراقيين للدفاع عنه، وتكليف قناة «البغدادية» التي يعمل فيها، نقيب المحامين العراقيين تولي الدفاع عنه ومتابعة قضيته، للحفاظ على سلامته.