لبس الحجاب بالقوة يساوي نزعه بالقوة
لبس الحجاب بالقوة يساوي خلعه بالقوة والضغط. هذا ما أعتقده. وبالتالي كلاهما يعدّ نوعاً من انتهاك الحرية الشخصية للفرد، وخاصة أنه لباس ديني يترجم معتقدات الإنسان وقناعاته الخاصة. أنا فتاة ترتدي حجابها قبل فرض حكومة حماس له، لكنني لست مقتنعة تماماً بحجابي، لقد ارتديته لأنني من عائلة محافظة ومتديّنة، هذا إضافةً إلى النمط الاجتماعي الموجود هنا في القطاع. هناك توجه الى ارتداء الحجاب هنا في غزة حتى قبل حكومة حماس، وربما يميل الحجاب إلى أن يكون نظاماً اجتماعياً أو تقليداً أكثر منه واجباً دينياً. لكن بالرغم من أن حال الحجاب هنا لم تختلف بعد القرار الأخير، فإنّ الاختلاف الوحيد أنه أصبح إلزامياً، وقراراً حكومياً يتخطى حدود الحريات والقناعات!
لو لم أكن محجبة وفُرض عليّ الحجاب، لكنت رح أظل مش محجبة! لدي صديقات غير محجبات واجهن القرار بشجاعة. لكن المشكلة أن هناك تعرّضات ومضايقات للفتيات اللواتي رفضن ارتداءه، وخاصةً في الوظائف، هناك تشديدات بخصوصهن الآن، هذا إضافةً الى الازدراء الاجتماعي والحكومي التي يتعرضن له، لكن رغم هذه المعاناة هنّ يدافعن عن قناعاتهن. في الحقيقة هذه ليست المعاناة الوحيدة التي يعيشها شبّان وشابات القطاع، فكلٌ منا يعيش معاناته الخاصة، فهنا لو مشت فتاة مع خطيبها في الشارع، أو في مكان عام يحق للشرطة أن تطلب منهما عقد الزواج الشرعي! أنا لا أستطيع مثلاً مقابلة زميل لي في مقهى أو مرافقة أحد من زملائي في مهمة عمل لأن الشرطة قد توقفني بتهمة أنه (مش مُحرم إلي)!
أظن أنني قد أخلع الحجاب يوماً، كما أنني أعتقد أنه لا تختلف في المبدأ سياسة حماس عن سياسة الحكومة الفرنسية، فهنا لبس الحجاب بالقوة، وهناك خلعه بالقوة، ليكون كلاهما انتهاكاً للحرية
الشخصية.
غزة ـــــ أسماء شاكر

■ ■ ■

التمسك بالمبدأ

قررت أن لا أخبرك اليوم يا أسماء قصة فتاة تعيش في المخيم، فالمخيمات هنا تشبه في اختلافاتها اختلافات المجتمع الفلسطيني بأسره بين قطاعه وضفته وأراضيه المحتلة. بل قررت اليوم أن أخبرك قصة «ملاك» المحجبة التي عاشت في المجتمع اليساري الذي لا يرحم.
«ملاك» ارتدت الحجاب منذ صغرها قناعةً منها به، لم تتردّد يوماً في التقرب من المجتمع اليساري هنا إيماناً منها أنه يحاكي قضيتها الوطنية. كانت دائماً تقول إنها لن تجعل الحجاب يقف بينها وبين أفكارها وتطلّعاتها العلمانية، كانت دائماً ترتاد المظاهرات، تُطلق الشعارات التي قد لا يجرؤ أحد على إطلاقها. لكنها بكل جرأتها لم تستطع في النهاية مواجهة ذلك اليسار المُختصر «بكأس الفودكا والسيجار» الذي وقف هو بينها وبين حجابها. وكما قلتِ أنتِ في السابق، لبس الحجاب بالقوة يساوي خلعه بالقوة، لم يُفرض على صديقتي قرار حكومي يأمرها بخلع الحجاب، لكن ما فُرض عليها هو طبيعة اجتماعية اضطرت إلى مجاراتها لكي لا تُنبذ اجتماعياً، أو أن يُنظر إليها بازدراء. أن تكوني يساريةً هنا يا عزيزتي، يُمنع عليك ثقافياً أن ترتدي الحجاب فلينين وغيفارا وستالين لم يوصوا به، يُحتم عليكِ ارتياد مقاهي محددة، ولا يجوز في المنطق أن ترتادي المساجد، فهي مُحرمة كقراءة القرآن أو الإنجيل أو حتى التوراة. يجب استبدال كلمة «الله» أو «الصليب» بمنجل ومعول، وليس بالضرورة أن تعاني بذلك معاناة الفلاحين والعمال، فقط اكتفي بقراءة «رأس المال» أو أي من مؤلفات كارل ماركس، وبذلك ستجتازين امتحان اليسار بدرجة تفوّق. لا يفهم اليساريون هنا يا أسماء أن «الله» صديق، تماماً ككتاب «صديقي الله» لو أُتيحت لهم قراءته، فهم يفهمون فقط «أن البلد
كافر».
صديقتي، خلعت الحجاب واستبدلته بمعول وعندها لم نعد أصدقاء. ليس لأنني أدعم الحجاب، لكن لأنني أدعم التمسك بالمبدأ والثبات على الموقف. ربما هي الآن لا تزال تبحث لنفسها عن متّسع في أجواء اليسار بين مقاعد المقاهي في شارع الحمرا، بين صفوف الاتحادات الطلابية التي تكتفي فقط بإصدار البيانات، وإقامة حفلات العشاء، بين خطابات تُطلق في حالات الطوارئ عند العدوان على غزة أو جنوب لبنان، ولربما أيضاً بين غبار سيجار كوبي مستورد أو قطع ثلج في كأس فودكا روسية.
بيروت ـــــ إيمان بشير