Strong>مصانع لبنان تُقفل والخليج يصدّر إلينا الزيوت ومنتجات الحليب...السلع الغذائية باتت تأتي من الصحراء، من دول الخليج! الأمر مربك للبنانيين، الذين ما زالوا يعتقدون أن بلدهم «الأخضر» الغني بمياهه وسهوله وطقسه وطبيعته الملائمة للزراعة... هو رائد الصناعات الغذائية في المنطقة، أو هو «أهراء روما» كما كان يوصف في الزمن الغابر

محمد وهبة
لبنان لم يعد بلداً منافساً في مجال التصنيع الزراعي، فالقطاع الزراعي فيه شبه منهار، وصناعاته الغذائية غير محمية وتعاني من ارتفاع الكلفة... على عكس ما هو حاصل في دول الخليج اليوم، فهذه الدول كانت قبل أعوام قبلة الصادرات اللبنانية المشهورة، تستهلك معظم الإنتاج اللبناني، إلا أنها تمكّنت في العقدين الأخيرين من جذب شركات عالمية كبيرة، أنشأت مصانعها هناك، لتستفيد من الدعم المباشر والحوافز الكثيرة وكلفة الإنتاج المنخفضة. فتحوّلت هذه الدول الصحراوية من مستهلك فقط للمنتجات الغذائية إلى مصدّر لسلع أساسية مثل الزيوت النباتية والأجبان والمعلّبات (فول، حمص، ذرة، مايونيز...) وحليب البودرة وبعض أنواع السكاكر والحلويات والمأكولات المبرّدة... هذا الواقع يدفع بقوّة إلى طرح السؤال عن أسباب تراجع موقع لبنان وتعرّض ميزاته التفاضلية للوهن وعدم تحوّله إلى نقطة جاذبة للصناعات الغذائية العالمية؟

زيوت، أجبان وألبان...

خريطة إنتاج واستهلاك المنتجات الغذائية تمتد على مساحة القارات كلّها، فالسلع التي تحمل الأسماء التجارية الأكثر شهرة في العالم والمخصصة للاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط لم تعد تُصنَّع وتُصدَّر من مواطنها الأصلية بكلفة نقل مرتفعة، بل أصبحت تُنتج في الأسواق القريبة من مجموعات المستهلكين. وحصّة السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين كبيرة في منطقة الشرق الأوسط ومنها السوق اللبنانية.
المثال الأبرز في هذا المجال هي الزيوت، إذ في السوق اللبنانية أنواع من الزيوت المنتجة في الخليج، فهناك زيت «كورولي» الأميركي الأصل يصنّع في شركة أبو ظبي للزيوت النباتية، وزيت «Wesson» تصنعه شركة «كوناغرا فود ـــ أميركا الشمالية» في الإمارات العربية المتحدة، وأيضاً زيت «مازولا» الذي تصنعه شركة بساتين المأكولات في مدينة ينبع في السعودية. وزيت «نور» المنتج في الشارقة وعُمَان من شركة «إيفكو»، وزيت «عافية» الذي تنتجه شركة «صافولا للمواد الغذائية» في السعودية.
أيضاً، هناك بعض منتجات شركة «Kraft» للأجبان تصنّع في البحرين والجزائر، أما بعض منتجات «La Vache Qui Rit» فتُنتج في المغرب، فضلاً عن منتجات شركة «نستلة» العالمية التي أَنشأَت في دبي شركة «نستله دبي للتصنيع» لتنتج حليب البودرة «نيدو بلس 1» المخصص للأطفال ومنتجات أخرى مشهورة في السوق اللبنانية.
ويشير نائب رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية في لبنان منير البساط، إلى أن شوكولا «تويكس» و«مارس» ينتجان في الخليج أيضاً. وهناك شركات لديها منتجات متنوعة، مثل شركة «أمريكانا» التي تصنّعها الشركة الأهلية للصناعات الغذائية في السعودية، أما بعض الشركات فقد قررت أن تصنّع في الإمارات العربية المتحدة المايونيز والذرة مثل «Plein soleil».

إلى الخليج در!

الحكومة في لبنان كانت تقوم بعملية قتل ممنهجة للصناعة
اللائحة تطول، وكان يمكن أن تبقى في إطار التنافس بين منتجات مختلفة في السوق اللبنانية وخارجها، إلا أن هذه اللائحة لا تقتصر على الشركات العالمية الباحثة عن موطئ قدم لها في أسواق الشرق الأوسط، بل تشمل أيضاً مصنّعين لبنانيين أو كانوا يتّخذون لبنان مقرّاً لهم، قرروا الهجرة إلى الخليج ومصر وسوريا والمغرب العربي، ولعل المثال الأبرز هو مصنع «حدائق كاليفورنيا» الذي يشتهر بإنتاج معلبات الحبوب والمربيات، فيشير البساط إلى أن هذه الشركة كانت لبنانية بالكامل، لكن مالكها اشترك مع خليجيين لبدء الإنتاج في الإمارات فأصبح ينتج تحت اسم «الشركة الخليجية للصادرات الغذائية» التي تملكها «الشركة الكويتية للمواد الغذائية». ولا ينحصر الأمر بهذه الشركة، فمعمل غندور المشهور بات يصنّع معظم سلعه في مصر، وبوظة «كورتينا» المعروفة باتت تأتي من سوريا... بل إن رئيس جمعية مستوردي ومصدري المواد الغذائية جوزف عور يقول إن استيراد لبنان من الخليج لا يقتصر على الزيوت والمعلبات، بل أصبحنا نستورد المنتجات الزراعية أيضاً مثل البطيخ والبندورة والكاتشاب والمايونيز والأجبان... وهي تنافس في السوق المحلية لأنها معفية من الجمارك نظراً للاتفاقات الثنائية مع هذه الدول، على عكس أوروبا التي يبلغ معدل رسم الجمركي على المستوردات منها 35 في المئة، فيما هناك دعم غير مباشر للإنتاج في دول الخليج... ولذلك بات الكثيرون مقتنعين بأننا «لا يمكننا أن ننافس وعلينا أن نهتم بالسياحة».

القدرة التنافسية

بصرف النظر عن مدى إهمال الدولة لهذا القطاع في الفترة الأخيرة، فالواضح أن الحكومة في لبنان كانت تقوم بعملية تدمير ممنهجة للصناعة، إذ إن لبنان لم يستقطب منذ مطلع التسعينيات إلا عدداً قليلاً جداً لا يتجاوز عدد أصابع اليد من الشركات الصناعية العالمية، لأسباب كثيرة يشير إليها رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود، كالآتي:
ــــ أسعار الأراضي في المناطق المصنّفة صناعية قليلة نسبياً، ففي بيروت بلغ سعر المتر المصنّف ألف دولار وفي جبل لبنان ارتفع إلى 500 دولار، وفي المناطق النائية ليس هناك متر مصنف صناعي سعره أقل من 50 دولاراً.
ــــ كلفة العمالة في لبنان مرتفعة، والشركات الكبرى تحتاج إلى جذب العمالة الأجنبية الأرخص كلفة.
ــــ في الصناعات الغذائية تمثل الطاقة بين 10 في المئة و 15في المئة من كلفة الإنتاج، مثل صناعة الزيوت والأجبان والألبان... وهذه الكلفة تساوي في لبنان ما يزيد عن 10 أضعاف ما هو في الخليج بالنسبة للمحروقات، وما يزيد عن 4 أضعاف بالنسبة للكهرباء.
ــــ كلفة التصدير في لبنان مرتفعة، إذ إن الحاوية الواحدة تكلف «ضريبة غير رسمية» أو «رشى» بنحو 300 دولار.
ــــ النقل البري هو الأغلى مقارنة مع كلفته في الدول العربية.
ــــ الاتصالات لا تزال مرتفعة الثمن في لبنان، فالشركات المصدرة تحتاج إلى خطوط هاتفية وإنترنت مفتوحة مع العالم.
هذه اللائحة لا تشمل كل الأكلاف بل الأبرز بينها، ويزيد البساط عوامل منافسة طبيعية، فالشركات العالمية تبحث عن أسواق استهلاكية ضخمة، أي عن قوة شرائية واستهلاكية، إذ إن دول الخليج تتمتع بدخل فردي مرتفع، فيما تتجه بعض المصانع إلى مصر بسبب عدد السكان ولكونها سوقاً استهلاكية مؤلفة من أكثر من 70 مليون مستهلك.


1200 مصنع

هو عدد المصانع العاملة في قطاع الصناعات الغذائية في لبنان، إلا أن الشركة الأجنبية المولجة بالمسح الصناعي الذي تجريه وزارة الصناعة تقول إن عدد المشاغل الصناعية في لبنان يبلغ 4800 مشغل، تشمل أفران المناقيش التي يبلغ عددها 3600 فرن


الآتي أعظم