15 إصابة إلى الآن في مدرسة حيفا وبعض أحياء شاتيلا. وباء «آي أتش1 أن1» وصل إلى مدارس «الأونروا»، وبالتالي إلى المخيمات المزدحمة. الأهالي توقفوا عن إرسال أبنائهم إلى مدرستي حيفا والجليل، المصابة هي الأخرى. لكن الخوف هو ما يخبئه المقبل من الأيام في بيئة «عطسة واحدة فيها بتعدي المخيم»
قاسم س. قاسم
تصل والدة نانسي ز. إلى مدرسة حيفا في منطقة الرحاب. تلقت الأم اتصالاً من إدارة المدرسة بضرورة المجيء لأخذ ابنتها. تصل الأم فتجد ابنتها الشابة خارج صفها (التاسع الأساسي)، أما سبب طردها من الصف فليس فرضاً لم تنجزه أو كتاباً نسيته في المنزل بل لشّك الأساتذة بأنها مصابة بمرض «آي اتش 1 ان 1» جرّاء الحرارة المرتفعة التي تشعر بها. تصل الوالدة إلى المدرسة لتأخذ ابنتها إلى طبيب فيحوّلونها إلى مستشفى بيروت الحكومي. الفحوصات هناك تجري على حساب الدولة اللبنانية، ولأول مرة تتعامل الدولة اللبنانية مع المرضى الفلسطينيين مثل اللبنانيين. بعد ثلاثة أيام قضتها نانسي في المنزل صدرت نتائج الفحص لتؤكد إصابتها بفيروس «آي أتش 1 أن 1». عادت نانسي إلى مخيمها وبقيت في المنزل بانتظار الشفاء، أما دواؤها وسبل الوقاية من انتشار المرض فهما المضادات الحيوية والكمامات. انتشر خبر الإصابة، وخصوصاً أن تلامذة مدرستي حيفا والجليل الثانويتين تضمان أبناء المخيمات المحيطة كبرج البراجنة ومار الياس وصبرا وشاتيلا، ما جعل الأهالي يمتنعون عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة.
تصل إلى باب مدرسة حيفا متوقعاً أن ترى طلاباً يضعون كمامات للوقاية. تنتظر خروجهم بعد انتهاء دوامهم الدراسي، لكونك ممنوعاً من الدخول. مع خروجهم يبدو المشهد مختلفاً عن توقعاتك. يقف الطلاب أمام باب مدرستهم، منظرهم من بعيد لا يوحي بأنهم قلقون من شيء. كأن لا إصابات في صفوف بعضهم بفيروس أصبح الأشهر عالمياً، وليس هناك لقاح فعلي له بعد، أو دواء نهائي. تقترب، تسألهم عن سبل الوقاية التي اتخذوها بعد التأكد من إصابة أحد زملائهم بمرض أنفلونزا الخنازير. تأتي إجابتهم متناقضة جذرياً، فمنهم من ينتظر أن يصاب هو بالمرض باعتباره «كريباً عادياً»، ومنهم «مش فارقة معي»، ومنهم من يعتقد أن لديه مناعة من نوع خاص.. كفلسطيني، بسبب طريقة عيشه في المخيمات، حيث لا تتوافر ظروف الصحة العامة حتى في حدها الأدنى، لذلك يظنون أن أي إصابة لن تؤثر بهم(!!) بسبب مناعتهم المخيمجية.
الطالب محمد الحريري، هو أحد الذين يعتقدون أن مناعته المخيمجية هي وسيلة دفاعه الأول. يقف الشاب أمام باب المدرسة، يسخر منك عند سؤاله عن الإجراءات الوقائية التي اتخذها لمواجهة وباء أنفلونزا الخنازير، بعد تأكد إصابة زميلته في المدرسة. «خنازير إيش يا زلمي؟ فايت ع المخيمات حضرتك؟ عنا مناعة خاصة إحنا في المخيمات ما فيش أمراض بتقدرلنا» يعلق ساخراً. تعليق الحريري يجر تعليقاً آخر من زميل له «يعني إذا عن جد في أنفلونزا الخنازير عطسة واحدة من المريض بتعدي المخيم كلو» يقول زميله.
ألّفت الأونروا فريق عمل من أطبائها لمتابعة الحالات المشتبه في إصابتها والمصابة ونشر التوعية
لكن موقف السخرية «الولادي» لا ينطبق على الأهل. فبعد التأكد من إصابتين على الأقل في مدرسة حيفا (حسب مصدر في الأونروا) و6 (حسب الأساتذة) والاشتبهاه ببضع حالات أخرى في المخيمات، تتوجه إلى مخيم شاتيلا المحاذي للمدرسة، حيث يقطن مصاب آخر، لكن أحداً من أبناء المخيم أو مسؤولي لجانه الشعبية يرفض أن يذكر لنا اسمه. بالطبع السبب هو التخوف مما بات يسمى «الحجر الاجتماعي» أي عزل العائلة المصابة عن الناس. القاطنون في المخيم سمعوا «بالخبرية»، لذلك رفضوا إرسال أبنائهم إلى المدرسة، لأنه «ما بدي بنتي تموت» كما قال أحدهم، ولأن ضيق أزقة المخيم وعدم وجود بيئة صحية فيه دفعا الأهالي إلى اتخاذ هذا الإجراء الوقائي أو حتى منعهم من الخروج من المنزل أو الاقتراب من محيط من يشك بأنه مصاب بـ«هداك المرض».
ومع انتشار خبر وصول وباء أنفلونزا الخنازير إلى المخيمات البيروتية، كثرت الشائعات: منها ما أصله حقيقي ومنها ما هو مختلق. ويقول د. عبد العزيز علي من مخيم برج البراجنة إنه حوّل حالتين يعتقد إصابتهما بالفيروس إلى مستشفى بيروت الحكومي. يضيف عبد العزيز أن المخيم «بضيق مساحته وعدد سكانه سيسهل انتشار العدوى بطريقة سريعة مما سيؤثر على أغلب سكانه». يتابع الرجل الحديث عن حالة الذعر التي دبت في المخيم، فالذي يعاني من الكريب الموسمي أصبح يعتقد أنه مصاب بوباء «آي اتش 1 أن 1». أما بالنسبة للأونروا ولمدارسها، فإن أهالي مخيم شاتيلا وبرج البراجنة على حد سواء اتهموا الأونروا بأنها «مقصرة لأنها لم تقفل المدرسة»، متهمين «المديرة اللي مش راضية تعترف إنو في إصابات عندها بالمدرسة» بالمسؤولية عن هذا التقصير، كما قال والد أحد الطلبة. لكن ما هو موقف الأونروا من هذا الموضوع؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها الوكالة لمواجهة الفيروس؟ تجيب المسؤولة الإعلامية في الأونروا هدى الترك أنه «منذ ظهور المرض وضعت الأونروا فريقاً للعمل على الموضوع، وقد وضع هذا الفريق خطة للتحرك على مستويات عدة، منها التوعية وطريقة التعاطي مع الحالات المصابة وكيفية التصرف في حال تفشي الفيروس». وتشير الترك إلى أن الأونروا ملتزمة «بالتنسيق مع وزارتي التربية والصحة ومنظمة الصحة العالمية بكل التعاميم والتوجيهات». أما عن الخطوات التي قامت بها في المخيمات والعيادات الصحية التابعة للوكالة، فتقول الترك «إن الأونروا قامت بحملات توعية في المدارس والمخيمات ووزعت منشورات وملصقات تشرح سبل الوقاية من الفيروس، كما خضع أطباء الأونروا للتدريب من وزارة الصحة ووزارة التربية ومنظمة الصحة العالمية». هذا بالنسبة للخطوات التي اتخذتها الأونروا قبل انتشار الفيروس. لكن ماذا بعد انتشاره في المخيمات ومدارس الوكالة؟ تشير الترك إلى أن «الإجراءات التي نتخذها هي نفسها المتبعة في المدراس اللبنانية، مثل رفع تقارير دورية عن عدد الطلاب المتغيبين عن صفوفهم إلى طبيب القضاء أو المحلّة». أما عن عدد الإصابات الموجودة إلى الآن، فتقول إنه «حتى الآن، كان لدى الأونروا 15 حالة مثبتة، يتركّز معظمها في منطقة بيروت وليست كلها في المدارس»، مضيفةً أن هذه الحالات «لم تستدعِ نقل أي واحدة إلى المستشفى». هكذا، وبعد تأكيد الأونروا وجود 15 حالة مصابة بالفيروس، وبسبب حالات الهلع الموجودة في صفوف الطلاب والأهالي، عملت الوكالة على «وضع خطوط هاتفية ساخنة في جميع المناطق للاتصال بها، كما خصّصت عيادة في كل منطقة لمتابعة الحالات المشتبه فيها أو المؤكّدة إصابتها، وذلك للحد من اختلاط المشتبه في إصابتهم بالمرض مع المرضى الآخرين»، كما تقول الترك. أما في ما يتعلق بطلاب المدارس، فإن «أطباء الأونروا سيزورون المدراس دورياً، وعند الشك بأية حالة سيحوّلونها إلى عيادة الأونروا ومنها إلى مستشفى رفيق الحريري لإجراء الفحوص اللازمة إن دعت الحاجة لذلك».


ظهرت أول إصابة بفيروس «إي أتش1 إن1» في المخيمات الفلسطينية في الصف التاسع الأساسي في مدرسة حيفا في منطقة السفارة الكويتية. أما اليوم، وبعد 15 إصابة، يتبيّن أن العدد الأكبر من المصابين هم من سكان مخيم شاتيلا. لكن كيف وصل الفيروس إلى التلامذة؟ يجيب أستاذ في مدرسة حيفا (رفض الكشف عن اسمه) بأن «المرض نقلته معلمة». ويضيف الرجل أن «المعلمة كانت تحمل الفيروس لكنها لم تكن تعرف بذلك». أما عن إدارة المدرسة المتهمة بالتقصير، برأيه، فيقول إن «الإدارة لا تريد الاعتراف بأن المرض سببه المعلمة، لذلك تكتّمت على الخبر في بادئ الأمر»