دماء العراقيين في بازار المنافسة الانتخابيةبغداد ــ زيد الزبيدي
الغريب في الموضوع الأمني العراقي أن رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي كان يتباهى إلى وقت قريب بالإنجازات الأمنية لحكومته لأغراض دعائية وانتخابية، والكلّ يعلم أن الحكومة لا علاقة لها بها، أصبح اليوم يدعو إلى «عدم المتاجرة بدماء العراقيين».
تراه يصرّ على عدم استغلال الوضع الأمني للدعاية الانتخابية والسياسية، وكأنّ دماء العراقيين لا تستحق حتى التساؤل عن سبب إراقتها بهذه الطريقة البشعة. يتساءل المراقب: ما الإنجاز الذي قدّمته الحكومة إذا كانت قد فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الأمن، بل فشلت حتى في تحقيق لقاء منسجم بين المالكي ووزرائه الأمنيّين تحت قبّة البرلمان، عندما طلب أن يكون حضوره إلى مجلس النواب بمعزل عن الوزراء، وأن يكون حضورهم في وقت آخر.
ومع ذلك، لم يقدّم المالكي ولا وزراؤه الأمنيّون، أي إجابة عن التساؤلات المتعلّقة بالوضع الأمني المتدهور، بل كان في حديث وزير الداخلية جواد البولاني، ما يُدمي القلوب، وهو يعلن تحسناً كبيراً في الوضع الأمني، بما أنه وقعت عام 2009 «ألفا حادثة اغتيال فقط»، بينما شهدت الأعوام السابقة بين 4 آلاف و15 ألف حادثة اغتيال. ويؤكّد مراقبون أنها كلّها أرقام غير حقيقية، لأن الأعداد تفوق ذلك بكثير، من دون أن يُكشَف عن الجناة أو الجهات التي ترتكب الاغتيالات.
وتناسى البولاني التحدث عن «وزارة داخلية ظل»، خطفت إحدى مفارزها مثلاً مدير مكتبه لشؤون حقوق الإنسان، العميد أسامة بدري الدباغ، عند خروجه من باب الوزارة، وذهب العميد ولم يعد.
كذلك لم يتحدث المالكي ولا وزراؤه الأمنيون عن الصراعات والخلافات بينهم، وأجمعوا على وجود اختراقات في الأجهزة الأمنية، وعلى أعلى المستويات، فيما اختلفوا على تشخيص تلك الاختراقات، وعلى الجهات التي تخترق الأجهزة الأمنية.
وفي إيجاز قصير، كشف مدير جهاز الاستخبارات بالوكالة، زهير الغرباوي، أنه قدم 120 تقريراً عن التدخلات الخارجية وتغلغلها في الأجهزة الأمنية، إلّا أنها رُكنت جانباً، ولم يأخذ أحد بها.
وكان مدير الاستخبارات، محمد الشهواني، قد قدم استقالته إثر تفجيرات «الأربعاء الدامي» في آب الماضي، إثر مشادّة مع المالكي، بعدما أبلغ رئيس الوزراء تحذيرات من تفجيرات قريبة، وحتى الجهات المنفّذة لها، تجاهلها حينها «قائد القوات المسلحة».
ويرى المالكي، ومعه «التكتل الشيعي»، أن الاختراق الأمني سببه التغلغل البعثي، «المتحالف مع القاعدة»، والناتج من إعادة العديد من ضباط الجيش والأمن السابقين إلى الخدمة، ما يفسره العرب السنة بأنه محاولات جديدة لإقصائهم وتهميشهم لمصلحة النفوذ الإيراني، فيما يفسره الليبراليون بأنه محاولة لإقصاء الكفاءات المهنية لمصلحة الفئوية والطائفية.
ويرى الأطراف الآخرون، وبينهم الوزير البولاني، أن «البعث» «مرحلة انتهت»، ويجب التفكير الآن في اتجاه «وحدة الشعب وعدم الاتّكاء على عكّازات قديمة». ويرى الوزير أن سبب الخلل الأمني هو وجود «ضباط الدمج»، الذين أُدخلوا إلى الجيش والشرطة، ومُنحوا رتباً رفيعة بأمر من الحاكم الأميركي بول بريمر، الذي دمج الميليشيات «الشيعية والكردية» في الأجهزة الأمنية، ما سبّب عدم كفاءة هذه الأجهزة.
وقد فصل البولاني أكثر من 60 ألف منتسب إلى هذَين الجهازين، بسبب مخالفات وفساد، أو على خلفية تعاونهم مع الميليشيات، فيما أصدرت وزارة الدفاع قبل أشهر، قائمة بإحالة عدد من منتسبيها العسكريين والمدنيين على التقاعد، من دون أخذ آراء رئيس الوزراء، الذين طالب بإعادتهم.
ومن تداعيات هذا الخلاف، إصرار المالكي على أن يكون رئيس «هيئة المساءلة والعدالة» البديلة لـ«هيئة اجتثاث البعث»، من حزبه «الدعوة الإسلامية»، الأمر الذي جوبه برفض البرلمان، لأن ذلك قد يعني «تصفية حسابات سياسية وأمنية قبل انتخابات آذار المقبل».
وبينما يستمر الخلاف الأمني على وجود عناصر من الجيش السابق، وعناصر الدمج، يغيب عن الساسة التغلغل الواسع في الأجهزة الأمنية من جانب قوى إقليمية ودولية، ولا سيّما تغلغل الاستخبارات الأميركية والإيرانية، فضلاً عن أجهزة عشرات الدول التي تملأ الساحة العراقية، ووجود زهاء 100 ألف متعاقد مع الجيش الأميركي من مختلف الجنسيات، لم يجرِ التطرق إليهم في الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية، ما يعني أن العراق منتهك أمنياً من كل الجهات.
ولكن، ليس على هذا الأساس توقّع المالكي أن تستمر أعمال العنف إلى ما بعد الانتخابات؛ يشير الواقع إلى أن هناك جهات عديدة مستفيدة من ذلك، إذ يرى البعض أن رئيس الحكومة يريد توظيف العنف الهمجي في حملته الانتخابية، التي يرفع فيها لواء «معاداة البعث والقاعدة». والائتلاف الشيعي الآخر يستثمر الانهيار الأمني لإفشال المالكي، وجرّه للعودة إلى التحالف معه. والعرب السنّة يسحبون النار إلى تنّورهم باتهام المالكي والأطراف الشيعة الآخرين بـ «إفساد المصالحة الوطنية وحرفها عن المسار الحقيقي». في المقابل، يؤكد الليبراليون أن العنف الحالي سياسي خالص، سببه أسلوب المحاصصة الطائفية والاثنية في الحكم. كما يستفيد الأكراد من التناحر خارج إقليمهم لتحقيق المزيد من المكاسب، فيما يربح ما بقي من تنظيم «القاعدة» إعلامياً، بإثبات وجوده.
أما قوات الاحتلال، فتبقى المستفيد الأكبر لإثبات استمرار «حاجة العراق» إليها، وهي لم تحرّك ساكناً، ولم تكشف مخططاً واحداً، رغم أنها تمسك كل الملفّات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولديها أضخم جهاز استخباري في العراق.


أسلحة روسيّة الصنع سوريّة المصدر!