strong>أيّ استراتيجيّة اجتماعيّة تواجه الفلسفة القائمة؟لبنان ملتزم بخفض نسبة الفقر المدقع إلى 50% حتّى عام 2015. فهو من جهة، موافق على «أهداف الألفيّة»، ومن جهة أخرى، يتضمّن بيان عمل حكومته، تأكيداً على هذا التعهّد. إلى أيّ مدى تُعدّ هذه الطروحات واقعيّة في ظلّ التركيبة القائمة؟ الجواب ينتج من الصراع على الفلسفة القائمة، في ظلّ طموحات كثيرة

حسن شقراني
تبلغ نسبة اللبنانيّين الذين يعيشون في الفقر المدقع 8%، أي ما يعادل 320 ألف مواطن. أمّا معدّل الفقر العام، فيبلغ 28.5%. واقع يكرّسه نمط التفاوت القائم: تركّز الثروة، وتهميش بدا أحياناً أنّه ممنهج.
سياسات عديدة قد تُعتمَد لمعالجة هذه المؤشّرات، التي تعكس تدهوراً اجتماعياً فعلياً، نظراً إلى عدم تحسّنها بالتماهي مع معدّلات النموّ التي يسجّلها لبنان. وأساس تلك السياسات هو النيّات وتحديد الأولويّات، إضافةً إلى الأساليب التي يمكن اعتمادها للانطلاق بمسيرة التنمية. ولكن دون ذلك عوائق تبدأ بطبيعة النظام، الذي يمضي من دون الالتفات إلى الفقراء.

الطموح... والفلسفة

«أولويّات المواطنين... أولويّات الحكومة» تحدّث عنها البيان الوزاري. «الأولويّة السابعة» عنوانها «الحدّ من الفقر ومعالجة تشرّد الأطفال»، وضمنها يندرج التعهّد بـ«خفض نسبة الفقر المدقع إلى 50% بحلول عام 2015».
ليس التعهّد جديداً، فهو انطلق مع «أهداف الألفيّة» عام 2000، غير أنّه يكتسب روحاً مختلفة مع تطلّع العديد من اللبنانيّين إلى إنجازات مرتقبة للحكومة الجديدة.
«سنعمل على هذا الموضوع من منطلق المسؤوليّة، لأنّ من ليس لديه تصوّر للمستقبل ليس لديه رؤية»، يقول وزير الشؤون الاجتماعيّة، سليم الصايغ، في حديث لـ«الأخبار». يوضح أنّ واقعيّة الأهداف تتحدّد بالقياس وبالتغييرات الواقعيّة خلال الفترة المدروسة. ومن هذا المنطلق «لن نفشل... فيمكن أن نصل في نهاية الفترة إلى خفض معدّل الفقر المدقع بنسبة 40% مثلاً!»، بحسب الصايغ.
وعموماً تعترض أيَّ سعي إلى التطرّق إلى آفة الفقر في لبنان المشكلةُ البنيوية:: طبيعة النظام. فهناك مستويات هائلة ناجمة عن التفاوت الاقتصادي الاجتماعي، وهناك تركّز للنشاط الاقتصادي في قطاعات محدّدة، مع إهمال قطاعات أخرى تعدّ حيويّة لتشغيل الفقراء. كما هناك تفاوت مناطقي يعكس سياسة تركّز النموّ وإهمال الأطراف، فعلى سبيل المثال، تضمّ محافظة الشمال 46% من مجمل اللبنانيّين الذين يعيشون في فقر مدقع، و38% من إجمالي الفقراء في لبنان.
في هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي، زياد الحافظ لـ«الأخبار»، إنّ المضي في أي استراتيجيّة تنمية وخفض للفقر يحتّم «فلسفة سياسيّة جديدة للواقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ». ويؤكّد أنّ الإنفاق العام الموجود حالياً «غير مفيد في هذا الإطار».
ويتحدّث الحافظ عن مسائل كثيرة يمكن فعلها، «نستطيع البدء بإعادة جدولة الدين العام، لتحفيز الإيرادات، وبالتالي استثمار الأموال الفائضة في مشاريع ذات جدوى اقتصاديّة ـــــ اجتماعيّة لخفض معدّلات البطالة». وهذا الأمر يجري في إطار إعادة بلورة لمفهوم الاقتصاد اللبناني نحو «كبح عربة الفقر، وكبح جماح توجّهات بعض النخب الحاكمة».
وهناك مداخل عديدة للتطرّق إلى آفة الفقر ومعالجتها في البلاد، أبرزها الترويج لنموّ لمصلحة الفقراء، أي نمو اقتصادي بطابع اجتماعي، يُضاف إلى ذلك طبعاً التركيز على المؤشّرات الحيويّة على هذا الصعيد كالتعليم، والموازنة في التنمية المناطقيّة، واستهداف الفئات المهمّشة،.

خطوات ديناميكيّة

وبحسب الوزير الصايغ «سنضع خطّة محدّدة من خطوط الواقع، وسنقدّمها ونعمل على أساسها». فوزارته سيّدة في هذا المضمار، ودورها توجيهي حاسم، لإعادة توجيه دفّة النظام من خلال التركيز على جرائمه. ويبدو الصايغ واثقاً بخطاه «إذ لا شيء سيمنعنا من المضيّ قدماً، إلّا زلزال أو كارثة طبيعيّة أخرى».
وهنا يكشف وزير الشؤون الاجتماعية عمّا يجري الإعداد له، يقول: «هناك سياسة ديناميكيّة نحدّدها، نُعدّ من خلالها لورشة وطنيّة بهدف معالجة آفة الفقر». هل ستكون هذه الورشة من بين مجموعة من الورش الرسميّة التي لا تُسمن من جوع؟ يعود ويشدّد الصايغ: «سنطرح رؤيتنا في مؤتمر شامل وضخم يطرح رؤية متكاملة، وسننتهج طريقاً بالتعاون مع المجتمع المدني والفرقاء المعنيّين».
المؤتمر قد ينتج منه تقدّم لافت، وخصوصاً أنّ شعاره سيكون حسبما يقول الوزير الصايغ هو «نعم، نستطيع».
ولكن أسئلة كثيرة تُطرح عن جدوى أنواع كهذه من السياسات، في ظلّ ضبابيّة الرؤية إلى السياسات الماكرو اقتصاديّة، وكيفيّة تقويم نتائج البرامج من وجهة نظر اجتماعيّة.
«لا نزال نعمل في إطار نظريّة الخدمات الماليّة لبلدان الخليج العربي وبلدان أخرى»، وفقاً لزياد الحافظ. ويبدو أنّ البلاد، بنظره، ستبقى تعمل على عزم محرّكها التقليدي لفترة طويلة مقبلة. إذ «لا يمكن القول إنّ الحكومة الجديدة ليست غير تقليديّة، هناك بعض الوزراء الذين يمكن أن يغيّروا شيئاً، ولكن القوى التقليديّة تبقى هي نفسها»، ولهذا يعدّ الحافظ نفسه «غير متفائل كثيرا»، ولكن في الوقت نفسه يؤكّد أنّ «الفرد يجب ألّا يكون متشائماً إلى أقصى الحدود».

حالة ورديّة

وفي المقابل يعالج الصايغ معضلة «محدوديّة التغيير» التي طرحتها عليه «الأخبار»، يقول: «قضيّة مكافحة الفقر ليست بيت شعر، بل لها برنامجها وآليّتها الشاملة».
من هذا المنظور تبدو الأمور إلى حدّ ما ورديّة. فوفقاً للخبراء، ليست حفرة الفقر في لبنان عميقة جداً، ما يعني أنّ أيّ تقدّم بسيط على صعيد النموّ الاقتصادي ونوعيته، يمكن أن يكون له أثر مهمّ في أعداد الفقر.
النموّ طبعاً يجب أن يكون مستداماً وتنموياً لا كالذي يسجّله لبنان بالمعايير التقليديّة.
ولكن رغم الطموحات الكثيرة التي يطرحها الصايغ وزملاؤه تبقى هناك معطيات موضوعيّة تكبح أيّ إجراءات إيجابيّة عند هذا الصعيد. فالماليّة العامّة تبقى مضغوطة بإنفاق تمثّل الرواتب والأجور وخدمة الدين العام والكهرباء حوالى 80% منه. فرغم تأكيدها أخيراً أنّ «التقشّف في الإنفاق الاجتماعي» قد يُعالَج نسبياً بسبب بحبوحة مترقبة، تبقى وزيرة المال ريّا الحسن حذرة، وتقول إنّ هامش المناورة ضيّق «لأنّنا يجب أن نبقى مسيطرين على العجز».
وعلى أيّ حال الجميع مدعوّون، بحسب الصايغ، إلى حلقة النقاش ـــــ المؤتمر الوطني بشأن الفقر، على أمل أن يكون خارج إطار التهميش والتسييس والتفكير التقليدي عن رسالة لبنان ودوره.

* الأرقام مستقاة من التقريرين: «خارطة الفقر البشري وأحوال المعيشة في لبنان» و«الفقر والنمو وتوزيع الدخل في لبنان».


63%

نسبة الفقر في قضاء عكّار/ المنية ـــــ الضنيّة، وهي الأعلى في لبنان، تليها نسبة 56% مسجّلة في طرابلس. والنسبة الأدنى تبلغ 5% مسجّلة في بيروت.

46%

نسبة الشباب الذين تُراوح أعمارهم بين 15 عاماً و24 من مجموع العاطلين من العمل، بحسب الأرقام المسجّلة عام 2007.


نصر لـ«الكتائب»... ولـ«حزب الله»