أسواق محليّة تعجُّ بأغراض جنود الاحتلال بأسعار مُغرية
بغداد ــ زيد الزبيدي
تحولت أجزاء واسعة من المساحات الصحراوية المقفرة، التي يمرّ بها الطريق المؤدي إلى سوريا والأردن، إلى مواقع لمتاجر كبيرة تملأها بضائع متنوعة كانت إلى وقت قريب من ممتلكات جيش الاحتلال الأميركي، فيما حذر خبراء بيئيون من أن الجيش الأميركي ترك مخلفات هائلة مشكوك بتلوثها. وقال الخبير البيئي، معتز حيدر، إن «وزارة البيئة العراقية غير قادرة على معالجة مثل هذه المواد الخطيرة، كونها وزارة فتية، كما أن كفاءاتها قليلة»، مشدداً على ضرورة أن يقوم الجانب الأميركي بنقل هذه المخلفات إلى خارج العراق.
لكن المستشار الإعلامي في جيش الاحتلال، هاني توفيق، أكد أن «الجيش الأميركي يعمل على التأكد من خلو المواقع العسكرية التي يغادرها من المواد الضارة». وأضاف إنه (جيش الاحتلال) «تمكن، من خلال تعاقده مع شركات كويتية ولبنانية، من إخراج 130 مليون رطل من المواد الملوثة إلى خارج العراق والتخلص منها نهائياً»، من دون أن يستبعد «بيع الشركات المتعاقدة الخردة الباقية إلى شركات أخرى عراقية لإعادة استخدامها، من دون علم أو موافقة القوات الأميركية».
وكانت صحيفة «ذا تايمز» قد أشارت إلى أن شركات خاصة «مرّرت بعض المواد التي استخدمها الجيش الأميركي إلى التجار المحليين».
ومن هنا ينبع خوف انتشار مواد الجيش الأميركي بكثرة في مناطق عراقية، حتى أصبحت لها أسواق ومتاجر كبيرة خاصة، يُعرّفها الأهالي بـ«مزاد أجهزة الأميركيين»، وتضم أجهزة كهربائية وسيارات مدنية حديثة، ومولدات كهربائية ضخمة، ورافعات عملاقة، وبيوتاً خشبية ومعدنية جاهزة، ومنصات خشبية، ومكيفات هواء، وأجهزة تلفاز، وأجهزة كومبيوتر، فضلاً عن أسلاك شائكة يسيل لها لعاب الفلاحين الراغبين في إبعاد الحيوانات والدخلاء عن مزارعهم.
وحسب شبكة «السومرية» الإخبارية، فإن ما أُطلق عليها أيضاً «معارض بيع أغراض الأميركيين» على نحو متفرق في محافظة الأنبار، أصبحت تشكل مجمعات في مدن الفلوجة والخالدية والرمادي وحديثة والبغدادي. وفي العادة تكون خارج تلك المدن، وقرب مواقع عسكرية عراقية، أو نقاط تفتيش، «لأسباب أمنية»، ولخشية القائمين عليها من استهداف المسلحين لهم، واتهامهم بالعمالة، ولا سيما بعد إصدار فتاوى تحرم شراء تلك المواد.
وتتميز تلك المواد برخص ثمنها، مقارنة بغيرها من البضائع المستعملة، وتمنح المشتري حرية الاختيار، وخيار التخلص من البضائع الصينية والإيرانية التي تغص بها الأسواق.
وفي معرض أبي سيف العيساوي، الذي يبعد كيلومترين شرق الفلوجة، عُرضت عشرات المولدات الكهربائية لتناسب وضع الكهرباء الحالي لبلاد الرفدين، فيما حلت بالمرتبة الثانية البيوت الجاهزة ومكيفات الهواء ومضخات المياه، ثم الأسيجة المعدنية، وخزانات المياه، وبعدها الأجهزة الكهربائية المختلفة الاستعمالات.
وتنقل شبكة «السومرية» عن أبي سيف قوله «هذه البضائع، كانت تستخدم في القواعد الأميركية الكبيرة المنتشرة في المحافظة»، مبيناً أن «جيش الاحتلال بعد انسحابه من مراكز المدن باع تلك المواد، وبعضها قدمه هدية لمن تعاون معه». ويضيف إن «الإقبال على شراء تلك المواد كبير، حتى من أصحاب محال التصليح والمواطنين وبعض الدوائر الحكومية وشركات الأعمار».
لا يروق أحد العاملين في المعرض، ويدعى محمد الدليمي (25عاماً) الفتاوى التي أصدرها بعض الرجال بتحريم شراء تلك المواد، ويقول إن «رجال الدين يحشرون أنفسهم في كل شيء، أعتقد أنهم عندما يزورون المعرض سيلغون فتواهم ويشترون منا». ويضيف إن «بضائع الأميركيين هذه أفضل بعشرات المرات من الجديدة التي تباع في الأسواق من مناشئ صينية أو إيرانية، أو حتى أوروبية لأنهم لا يستعملون إلا الأجهزة الجيدة، كما أن مولدات الكهرباء التي كانت في قواعدهم تكفي لسدّ نقص الطاقة في أغلب المناطق العراقية».
ويتابع العامل «بعنا خمسين منزلاً خشبياً ومعدنياً مجهزة بكل شيء». ويتساءل «أخذ المواطن قروضاً من المصارف فيها رِبا مُحرّم، لشراء بيت جاهز رخيص الثمن والعيش فيه؟».
وفي معرض آخر في الرمادي ـــــ الأنبار، يُقلّب صاحب العمل الحاج سعدي جاسم، جهازاً صغيراً، ويقول إن «هناك أجهزة في المعرض لا أعرف الغرض الذي تستخدم له، ولا حتى كيفية تشغيلها». ويضيف إنه «يعمل في المعرض منذ 6 أشهر وجميع البضائع كانت تابعة لجيش الاحتلال، لكنها لم تستخدم لقتل العراقيين، بل لأغراض خدماتية».
وفي إحدى زوايا المعرض هناك مولد كهرباء ضخم يبدو بحالة جيدة، يقول جاسم إن «سعره في السوق يبلغ 40 ألف دولار أميركي، وهو يكفي لإنارة نصف مدينة الرمادي، غير أن سعره هنا لا يتجاوز 15 ألف دولار».
من جهته، يقول الرائد حميد الجميلي من شرطة الفلوجة إن «تلك البضائع معلومة المصدر لنا ومستوفية الشروط، وليس لدينا أي شبهات قانونية حولها»، مضيفاً إن «تلك المواد تباع علناً ووفق إيصالات رسمية».
أما الشيخ عبد الله الكبيسي من الفلوجة، فينصح الناس «بعدم شراء تلك المواد لأن فيها شبهة»، فيما يصرّ رجل دين آخر من الرمادي على أن «ما بُني على باطل يبقى باطلاً، وتلك البضائع هي من أموال نفطنا، وهي ملك لابن البصرة والنجف والموصل والأنبار على حد سواء». ويضيف إن «تلك المواد سرقت بقوة السلاح والاحتيال». ويدعو الحكومة إلى «التفاوض معهم لسحب جميع تلك المواد التي حصل عليها الأميركيون بعد دخولهم إلى العراق لتكون من ضمن ممتلكات الدولة العراقية».