الجزائر | وصلت أمس التعديلات التي تديرها رئاسة الجمهورية الجزائرية ضمن المؤسستين الأمنية والعسكرية حد إنهاء مهمات مدير الاستخبارات الجزائرية، الفريق محمد مدين، بعد 25 سنة من شغله المنصب.
وبعدما كانت صحيفة «النهار» المحلية (المقربة من الرئاسة) أول من أشار إلى خبر إقالة الجنرال توفيق من منصبه، نشرت رئاسة الجمهورية بياناً أعلنت فيه إنهاء مهمات الجنرال توفيق وإحالته على التقاعد. وذكر البيان أنه «بموجب أحكام المادتين 77 (الفقرتين 1 و8) و78 (الفقرة 2) من الدستور، أنهى رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم (أمس) مهمات رئيس قسم الاستخبارات والأمن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد»، مشيراً إلى تعيين اللواء عثمان طرطاق بدلاً منه. واللواء طرطاق، المشهور بالجنرال بشير، هو المستشار الأمني للرئيس بوتفليقة، وكان قد عمل قبل إحالته على التقاعد مديرا للامن الداخلي بالاستخبارات.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر قوله إنّ جهاز الاستخبارات الذي عرف عدة تغييرات في الأشهر الماضية «سيعرف هيكلة جديدة تجعله تحت السلطة المباشرة لرئيس الجمهورية بدل وزير الدفاع».

سيعرف جهاز الاستخبارات هيكلة جديدة تجعله تحت السلطة المباشرة لرئيس الجمهورية

واستقبل الجزائريون الخبر وسط دهشة وتخوف من المرحلة المقبلة، وخصوصاً أنه من غير المعروف إن كان الأمر قد جرى بالتوافق بين الرئاسة والاستخبارات أو أنّ إحالة توفيق على التقاعد مثّلت ضربة أخيرة في سياق ما حكي عن «صراع الأجنحة» بين مؤسسة الرئاسة والاستخبارات.
وبينما نقلت «فرانس برس» عن المصدر الأمني قوله إنّ الجنرال توفيق كان «قدم استقالته منذ عشرة أيام على الأقل»، أكدت مواقع جزائرية أنّ الإحالة جرت بالتوافق. وأشار موقع «الجيري فوكوس» (الناطق بالفرنسية) أنّ مغادرة توفيق لمنصبه على رأس الجهاز الأقوى والأكثر نفوذاً في البلاد جرى «باتفاق»، ناقلاً عن مصادر قولها إنّ توفيق هو من اختار خليفته.
وشرح الموقع المحلي أنّ «الجنرال توفيق كان يفاوض بشأن رحيله منذ شهر تموز الماضي... كان يفكر منذ 2011 ــ 2012 في (تطوير الجهاز) منعاً لتحول البلاد إلى سوريا مكررة. كان الهدف تحديث ما يقدمه الجهاز بما يتوافق مع (تحديات) المرحلة... كي لا تموت المؤسسة في خضم المناورات السياسية».
وقد تلتقي روايات كهذه مع تصريحات مدير ديوان الرئاسة، احمد أويحيى، الذي قال أول من أمس (قبل يوم واحد)، إنّ «كل ما يجري من تحولات وتعديلات في جهاز الأمن طبيعية»، مؤكدا اضطلاع هذا الجهاز بـ«الدفاع الوطني ككل». وذكّر أويحيى بأن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، وبالتالي «فهو ليس نيرون الذي أحرق روما وليس معارضاً ليسعى إلى تكسير جهاز الأمن» من خلال قيامه بهذه التعديلات.
وفي ردود فعل الأطراف السياسية الجزائرية، رأى رئيس حزب «الجزائر الجديدة»، جمال بن عبد السلام، في حديث لـ «الاخبار»، أن قرار إحالة الجنرال توفيق يندرج في إطار «إعادة ترتيب بيت السلطة وفق متطلبات المرحلة». وقال إن «هناك أسماء أخرى ستذهب، لأن لكل مرحلة رجالها»، مضيفاً: «في اعتقادي أن هناك توافقات معينة لتجنيب البلاد أي انزلاق». وقال إن من مزايا مركز القرار في النظام الجزائري أنه عادة ما يحتكم إلى التوافقات عندما تتناقض الرؤى والمواقف. وذهب عبد السلام إلى حد اعتبار أنّ هناك «أسماء ثقيلة من بين كبار المسؤولين» ترتب للانسحاب بهدوء وبطريقة سلسة، مشيراً إلى أن عامل السن يؤدي دوره أيضاً. وفي الشارع الجزائري، راوح رد الفعل بين من وصف القرار بـ«الانتقامي» رداً على رفض الجنرال توفيق استمرار بوتفليقة في الحكم، ومن رأى أن القرار «رد فعل من السعيد ــ شقيق الرئيس»، وهو المتهم من طرف دائرة الاستعلامات بالفساد.
عموماً، بالحديث عن «صراع الأجنحة» وكيفية إنهاء مهمات الجنرال توفيق، قد يكون من الأجدى التريث حتى معرفة بعض المعطيات. أحد التقارير الصحافية التي نشرت أخيراً بشأن «الصراع»، نقلت عن أحد قدماء ضباط حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي قوله إن «الاستخبارات الجزائرية تتجاوز الرئيس بوتفليقة والجنرال مدين، اللذين لا يمثلان أكثر من واجهة لصراع خفي متواصل منذ الخمسينيات، وبالتالي فإن هذه الوضعية التي وجدت قبلهما ستتواصل بعدهما، وجهاز الاستخبارات لن يموت، لأنه وجد في الجزائر حتى قبل الاستقلال».