باراك يتوقع انطلاق المفاوضات المباشرة خلال أسابيع
مهدي السيّد
في الشكل، أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لقاءً ناجحاً جداً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. نجاح حرص أوباما أشد الحرص على توفيره لنتنياهو، في بادرة منه عكست تغييراً في تكتيكه المعتمد مع رئيس وزراء إسرائيل منذ انتخابهما، يقوم على قاعدة «استخدام الجزرة بدل العصا»، بحسب تعبير المحرر السياسي في صحيفة «هآرتس» ألوف بن.
في المضمون، يبقى تقويم اللقاء بين أوباما ونتنياهو، مرهوناً بالنتائج التي ستتمخض عنه. وعلى الرغم من وجود شبه إجماع بين المعلقين والمراقبين في إسرائيل على أن اللقاء كان ناجحاً، وأنه «جمّد» أزمة الثقة بين الرجلين وطوى صفحة «سوداء» بينهما، وفتح فصلاً جديداً في علاقتهما، إلا أن هذا الإجماع بقي مشوباً بكثير من الحذر، ذلك أن ملامح هذه الصورة المتفائلة لم ترتسم جراء الاتفاق على المشاكل الخلافية بين الرجلين، بقدر ما كانت نتيجة لتجنب الخوض في نقاط الخلاف، وفي حاجة الطرفين إلى تخطي مرحلة الخلاف كل لاعتباراته، وهذا ما يبرر الغموض الذي تضمنته التقارير عن حقيقة ما دار من نقاش بين الرجلين في المسائل الخلافية، ولا سيما مسألة تمديد قرار الحكومة الإسرائيلية بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، ومسألة الشروع في محادثات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تفضي إلى دولة فلسطينية، حيث جاءت الصياغات عامة وحمّالة أوجه. وفي مقابل الضبابية التي أحاطت بالمسائل الخلافية، رغم بعض التسريبات، برز جلياً رغبة الرجلين في فتح صفحة جديدة، والقفز على المسائل الخلافية من خلال اتفاقات «غير معلنة» تدفع الحرج عن كليهما. وهذا ما تجلى في حفاوة الاستقبال الأميركي الذي حظي به، حيث أمر أوباما موظفي البيت الأبيض بالتعامل مع نتنياهو، مع عقيلته وحاشيته بـ«احترام محفوظ للملوك»، بحسب «معاريف».
لكن هذا «الاحترام» كان له ثمن، بحسب بعض المعلقين، حيث يتوقع الأميركيون من نتنياهو أن يعمل للسماح لانعقاد محادثات مباشرة تؤدي إلى إعلان إقامة دولة فلسطينية قبل نهاية الولاية الحالية لأوباما.
واستناداً إلى تقارير إعلامية إسرائيلية، جهد الشخصان لتفكيك «لغم» تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، وهذا ما تحقق من خلال تفاهم بموجبه ستعمل إسرائيل على النمط الآتي: إسرائيل لن تكون مطالبة بأن تعلن رسمياً إستمرار التجميد. أما عملياً، فقد تعهد نتنياهو أن حكومته لن تصدّق على مشاريع تظاهرية لبناء مئات وحدات السكن، بل مجرد منازل قليلة فقط وبالاساس في الكتل الاستيطانية.
وبحسب «معاريف»، فإن الخلفية لهذه التسوية تنطلق من التقاء مصالح بين أوباما ونتنياهو، وخصوصاً أن الأخير يريد أن يصل إلى محادثات مباشرة قبل موعد انتهاء قرار التجميد للبناء في المستوطنات في أيلول، لأنه من دون محادثات مباشرة، قبل موعد انتهاء نفاذ القرار بتجميد البناء في المستوطنات، فإن حزب «العمل» كفيل بأن ينسحب من الحكومة ويبقي نتنياهو مع غالبية يمينية أو يجبره على تأليف حكومة جديدة مع «كديما». ولهذا، فقد اتفق الرجلان على سلسلة بادرات طيبة تقدمها إسرائيل للفلسطينيين لغرض شق الطريق للمحادثات المباشرة، وهو ما أكده نتنياهو في تصريحات صحافية أعقبت لقاءه مع أوباما، قال فيها إن إسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات إضافية لتسهيل حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية في محاولة لإقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالدخول في محادثات سلام مباشرة.
وتحاشى نتنياهو الرد على سؤال طرح عليه في برنامج «صباح الخير يا أميركا»، الذي تذيعه شبكة «إيه.بي.سي»، عمّا إذا كان مستعداً لتمديد قرار تجميد الاستيطان. وأبدى استعداده لاتخاذ خطوات منها إجراءات «إضافية لتسهيل حركة» الفلسطينيين بالإضافة إلى بعض المشاريع الاقتصادية.
وقال نتنياهو: «الفكرة هي أننا مستعدون للقيام بذلك. لكن ما نريد أن نراه في النهاية هو شيء واحد: أريد الرئيس عباس أن يمسك يدي، أن يصافحني، أن يجلس ويتفاوض بشأن تسوية سلام نهائية بين إسرائيل والفلسطينيين».
بدوره، توقع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، أمس، أن تنطلق محادثات سلام مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين «في غضون إسابيع». وقال باراك: «ستكون هناك تقلبات وأوقات صعبة خلال هذه العملية، لكني آمل، بل أعتقد أننا سننطلق في غضون بضعة أسابيع في محادثات مباشرة ستدفع إمكانات السلام قدما وستعزز الأمن والمصالح الحيوية لإسرائيل».
وقال باراك إن لقاء نتنياهو وأوباما هو «بداية خطوة هامة حتى لو كانت هناك صعوبات وخلافات» وأن المحادثات خلال اللقاء شملت مواضيع أوسع من التي نُشر عنها في وسائل الإعلام.
لكن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، خلافاً لباراك، أكد للإذاعة الإسرائيلية، أنه يعارض تمديد تعليق البناء في المستوطنات. وقال: «نحن ملزمون بضمان استمرار الحياة الطبيعية لمن أرسلتهم حكومات إسرائيل».
وأضاف ليبرمان أن موضوع تمديد تعليق البناء الاستيطاني لم يكن مركزياً خلال لقاء أوباما ونتنياهو، وأنه لم تُطلق أي وعود بهذا الخصوص. وتابع أن إسرائيل تريد وتفضل محادثات مباشرة مع الفلسطينيين «لكن ما يؤخر التقدم هو تحريض الفلسطينيين ونشاطهم ضد إسرائيل في الحلبة الدولية».
ورحبت الصحف الإسرائيلية بفتح فصل جديد من «العلاقات الجيدة مع البيت الأبيض»، لكنها حذرت من أنه قد يكون قصير الأمد. وكتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «لقد أثبت أوباما ونتنياهو أنهما يستطيعان تناسي الماضي رغم كل التكهنات عن وجود أزمة شخصية بينهما».
من جهتها، صدرت صحيفة «معاريف» تحت عنوان «بناء الثقة»، فيما لفتت صحيفة «جيروزاليم بوست» الناطقة بالإنكليزية إلى أن الفارق في اللهجة عن الاجتماعات الماضية كان «مفاجئاً جداً». وكتبت صحيفة «هآرتس» «قمة أوباما نتنياهو: باقات زهور ولا كلمة عن المستوطنات».