لم تستطع الأوضاع الأمنية المتسارعة في محافظة أبين الجنوبية حجب الاختراق السياسي الذي حققته قطر بدخولها من جديد على خط الوساطة بين السلطات اليمنية والحوثيين
جمانة فرحات
تكاد أخبار الاشتباكات بين السلطات اليمينة والعناصر المسلحة في بعض المحافظات الجنوبية يسابق بعضها بعضاً، متنقلةً من مدينة إلى أخرى، وحاصدةً معها ضحايا تتعدد هوياتهم بتعدد الروايات عمّن يقف خلف الهجمات.
أحدث حلقة في هذا المسلسل سجلتها مدينة لودر في محافظة أبين، قبل يومين، بعد وقوع اشتباكات بين قوات الجيش اليمني وعناصر مسلحة لم تحدّد هوياتهم.
وبينما أوضحت وزارة الداخلية اليمنية أن جنودها الأحد عشر الذين سقطوا في المواجهات «وقعوا ضحية كمائن نصبتها عناصر إرهابية من تنظيم القاعدة وبعض الخارجين على القانون المتعاونين معهم»، تحدث البعض عن أن الاشتباكات سببها ملاحقة الجنود لعناصر مطلوبين أمنياً، «متهمين بقضايا قطع طرق وسرقات»، من دون أن يمنع ذلك بعض الموالين لتنظيم «القاعدة» من المشاركة في الاشتباكات.
والأنباء عن مشاركة عناصر من «القاعدة» تتزامن مع تواصل عمليات اغتيال قيادات الأجهزة الأمنية في محافظات لحج وأبين والضالع على وجه الخصوص، وفي ظل عجز واضح للسلطات عن إيقافها. ويستغل تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، الذي تبنّى صراحة بعض الهجمات من دون أن ينفي مسؤوليته عن بعضها الآخر، الخلل الأمني الموجود في مثلث محافظات لحج وأبين والضالع الجنوبية، حيث ينشط عناصر الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، لتنفيذ عمليات متى سنحت له الفرصة.
ولا ترى السلطات أن تورّط تنظيم «القاعدة» يحصل في منأى عن التنسيق مع عناصر من الحراك الجنوبي. إلا أن الحراك، الذي التزم الصمت طويلاً حيال هذه الاتهامات، خرج أخيراً عن صمته لينفي تورّطه، وليتهم «نظام صنعاء المحتل للجنوب» بالإعداد «لحوادث الاغتيالات بإحكام وينفذها بأساليب وتكتيكات جديدة تستهدف في الأساس التخلص من أبناء الجنوب الموظفين لدى سلطات الاحتلال».
وفي ظل التدهور الأمني في بعض المحافظات الجنوبية، تحوّلت زيارة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى العاصمة البريطانية، الأسبوع الماضي، لحضور تخرّج نجله خالد من الكلية العسكرية البريطانية «ساندهيرست»، إلى فرصة للتباحث مع عدد من المسؤولين البريطانيين بشأن سبل مساعدة اليمن، ولا سيما في ظل خروج تحذيرات أميركية تنبّه من احتمال انهيار الجيش اليمني تحت وطأة الضغوط التي يتعرض لها على أكثر من جبهة. وسخونة الجبهة الجنوبية قابلها تحقيق قطر اختراقاً جديداً على صعيد العلاقة بين السلطة اليمنية وأتباع عبد الملك الحوثي، بعدما أعادت من بوابة «اتفاق الدوحة» الموقّع عام 2007 الإمساك بملف الوساطة بين طرفي القتال.
وجاء الإعلان أمس عن أسماء ممثّلي الحكومة والحوثيين في المباحثات المتوقع بدؤها الأربعاء المقبل لتوقيع اتفاق جديد بين الطرفين، بعد فترة وجيزة من زيارتين قام بهما كل من أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه حمد بن جاسم، كانتا كفيلتين بإعادة إحياء الوساطة من دون أن يلغي ذلك احتمالات فشلها.
فشل كان عبد الملك الحوثي، في حديثه إلى مجلة «الحقيقة» الثقافية نصف الشهرية التي تصدر في محافظة صعدة، حريصاً على التنبيه منه، عندما حذر من مخطط خفي للنظام في صنعاء. واتهم السلطة التي «ألّحت على القطريين» لاستئناف وساطتها، على الرغم من نعيها لاتفاق الدوحة إبان التوترات التي شهدتها العلاقات العربية وتحديداً بين قطر والسعودية، بأن لها «همّاً واحداً هو إدارة لعبة تحصل من خلالها على المال، وحين يتحقق الهدف تُفشِل أيَّ وساطة وتقف منها موقفاً سلبيّاً. وهذا ما فعلته في المرة الأولى مع القطريين أنفسهم».
وتحذير الحوثي من أن محاولات السلطة استغلال «الحساسيات المعروفة في العلاقات الدولية والإقليمية» يبدو أن قطر تدركه جيداً، بعدما تعمّد أميرها زيارة السعودية مباشرة عقب زيارته صنعاء وقبول بلاده بتجديد وساطتها.
في موازاة ذلك، لم يستطع أول اجتماع للجنة الحوار الوطني، بين المعارضة ممّثلة بأحزاب اللقاء المشترك وشركائه، وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، أن يفتح ثغرة في جدار الخلافات المستفحلة بين الطرفين بشأن الانتخابات، وتحديداً تأليف اللجنة العليا للانتخابات والبرنامج الزمني للإعداد لها، وسط تبادل الطرفين الاتهامات بعدم الجدية في الحوار ومحاولة تفخيخه.