بعدو ما مات؟
كان رئيس وزراء الكيان الصهيوني «أرييل شارون» يؤدي دور البطولة في جميع كوابيس شقيقتي الوسطى منذ حرب عناقيد الغضب عام 1996 وحتى فترة قصيرة مضت. كانت المسكينة تروي حلقات مُفزعة من شيء يشبه مسلسلات «دراكولا» وهي تبكي في كل مرة تستيقظ من كوابيسها، فمرة كانت ترى شارون وله أنياب تقطر منها دماء الأطفال، ومرة أُخرى كانت تراه مثل «أبو كيس» مختبئاً في حديقة بيتنا خلف شجرة الليمون، كي ينقض عليها ويأكلها. ومرات أُخرى كانت ترى نفسها وسط القتلى والجرحى في الحرب وشارون يركض خلفها كي يقتلها هي أيضاً.
منذ فترة، حلّت مشكلة أختي مع كوابيسها المتعلّقة بشارون، كان ذلك عندما دخل الأخير إلى المستشفى. ربما عندما كان بصحة جيدة كان لا يزال يمثّل قلقاً لأختي، وعند مرضه وانحلال قوته أصبحت أختي على يقين بأنه لن يستطيع أن يؤذيها (حتى ولو في كوابيسها).
أما أُمي، فلها قصة أُخرى مع شارون، فهي تشبّه أيّ شخص يصل به اللؤم أو الحقد درجة قصوى به. وتشبّه شارون نفسه بفرعون، تُردد: «سألت يا فرعون مين فرعنك، قال ما حدا ردّني!». وهي كانت تقصد بكلامها أن العالم كله كان يقف متفرجاً على المجازر البشعة التي ارتكبها الأخير بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني من دون أن يرف له جفن.
لكن قصتي مع شارون مختلفة، فعلى عكس أختي ووالدتي اللتين كانتا تتمنّيان الموت لشارون دائماً، كنتُ أفضل أن يبقى في الغيبوبة مدة عشرين عاماً على الأقل. كنت أتمنى أن يرى شارون الكوابيس نفسها التي كانت تراها أُختي بسببه عندما كانت صغيرة، لكن من دون أن يستطيع الاستيقاظ! كنت أتمنى لو أن جميع الناس الذين قُتلوا بسببه يستطيعون أن يزوروه في مناماته ويعذّبوه كما فعل هو معهم ودون أن يستطيع الاستيقاظ! يا إلهي كم سيكون هذا ممتعاً، مع العلم أنني لا أحب تعذيب الآخرين، ولا أستطيع مشاهدة شخص مريض ينازع في مرضه، لكن هذا شارون، هذا فرعون القرن الأخير!
وخبر وفاة هذا الحقير لم يُعلن يوم الأربعاء، إذ نفت مصادر حكومية إسرائيلية الخبر الذي صدر عن قناة العالم بشأن وفاة شارون وتأجيل الحكومة إعلان الوفاة إلى يوم غير محدد. ومع ذلك، لم أسمع الخبر إلا من قناة العالم، ولم أعرف عن نفيه إلا أمس من أحد الزملاء. أيعقل أن يكون الناس قد نسوا شارون بعد كل ما فعله بحقنا؟ أينسى أحد ذاك الذي تعده الحكومة الإسرائيلية أكبر خسارة لها منذ 62 عاماً؟ فعلاً غريب!
إيمان بشير

■ ■ ■

أنا أصلا نسيته!

دائماً كان لي رأي متطرف بالنسبة إلى شارون، لقد كان مجرماً، ويقع على عاتقه تحمل العديد من المجازر المرتكبة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، لكنه كان (والحق يقال) عسكرياً بارزاً!
لشارون تاريخ حافل، يبدأ بانضمامه إلى صفوف «الهغاناه» وأسره على يد الجيش العربي، الأردني مروراً بمجزرة صبرا وشاتيلا أيام اجتياح بيروت 1982، ومن ثم اقتحامه باحات المسجد الأقصى، وبالتالي اندلاع الانتفاضة الثانية وكل ما تلاها في عهده، وحتى إخلاء المستوطنات في قطاع غزة!
لا تناقض في تاريخ شارون، إلا في نهايته، الانفصال عن قطاع غزة، هذا الأمر الذي حيّرني، وقلب أكبر السياسيين المتطرفين ضده. وحتى الآن لم أفهم ماذا أراد بخطة الانفصال تلك! هل أراد أن يفعل شيئاً صحيحاً (ولو جزئياً) لمرة في حياته؟ ربما، إلا أن الأكيد، مهما كان هدفه، فقد سبقه المرض إلى ذلك!
لم يكن أول من فعل ذلك، فقد حدث هذا سابقاً، يوم اغتيال إسحق رابين الذي يعتبره المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابّي مؤلف كتاب «التطهير العرقي في فلسطين»، أحد مهندسي عملية ترحيل الفلسطينيين التي نفذتها الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، وهو أي رابين صاحب التعليمات التي تقضي بـ«تكسير عظام أيدي الفلسطينيين وأرجل الذين يرشقون الحجارة» أيام الانتفاضة الأولى... وفي ما بعد حصل على جائزة نوبل للسلام لتوقيعه اتفاقية أوسلو، وبالتالي اغتياله على يد أحد المتطرفين الإسرائيليين الرافضين لفكرة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل! رابين الذي يرى اليساريون في إسرائيل أن وفاته خسارة فادحة للوصول إلى السلام والاستقرار في المنطقة!
ربما، هذه رسالة واضحة لجميع المنادين بالسلام، ليس سلامكم هو الحل، لأن سلامكم لا يعني إلا الموت! أما شارون، فأنا عن نفسي... قد نسيته من زمان، سواء أكان شارون أم رابين، نسيت كليهما، لكني أبداً لم أنس جرائمهما في حق شعبي، ولن أنسى!
أنهار حجازي ــ الجليل