(أ ف ب )
قبل المغادرة إلى العراق، غيّر بهيئته ومظهره الخارجي. وفي جلسته الأخيرة داخل المخيم، قال بضع كلمات يمكن أن تلخّص حكاية الشعب الفلسطيني: «اشهد يا عالم علينا وعَ بيروت اشهد بالحرب الشعبية واللي ما شاف من الغربال يا بيروت أعمى بعيون أميركية». هذا مقطع من أغنية فرقة «العاشقين» (كلمات أحمد دحبور وألحان حسين نازك). كانت رؤيته أن العدو الأساسي هو الأميركي وليس الإسرائيلي، فلولا «الغرب الكافر» لما كانت إسرائيل. ليضيف أنه «حين تسقط واشنطن تسقط تل أبيب».
أبو جعفر المقدسي، أصبح لاحقاً معاوناً لأبي مصعب الزرقاوي، وظهر في الفيديو الشهير للزرقاوي، وهو يطلق النار من رشاش «بي كي سي». انقطعت أخباره حتى أتى نبأ استشهاده، فكان يوماً حزيناً في عين الحلوة. ومنذ تلك الحقبة والأسئلة نفسها: أي عدو له الأولوية في القتال؟ والأهم، ماذا غيّر تفكير شاب لاجئ في مخيم لا يملك سوى قدرات ذهنية وجسدية؟ تبدو الإجابات واضحة وصريحة الآن في «طوفان الأقصى».
لا تفارق الابتسامة محيّاه. تبدو سنو الغربة والأسر واضحة في معالمه الخارجية. صوته خافت وحديثه مُرتب، ومن شدة أهمية ما يقول، تُجبر على الإنصات من دون طرح أسئلة كثيرة. أفكاره تؤسس لأسلوب المواجهة لنيل هدفه الأساسي: زوال إسرائيل. ويقول إنه لا بد من شرطين لتحقيق ذلك: وحدة وطنية ميدانية، ودعم من الأمّة، وفي المقدّمة محور المقاومة.
هذه رؤية الشيخ صالح العاروري. عدوه معروف ولهزيمته لا بد من نهضة قتالية في الأرض الفلسطينية، لذلك كان مشروعه «تثوير الضفة» ولم يفرّق بين الفصائل الفلسطينية. «أي شخص يريد القتال ندعمه، وإن استشهد ندعم أهله ونبني بيته إذا تدمّر»، هذا ما أسرّ به، وعمل عليه حتى رحيله. لكن ما أكّده بيقين، أن المواجهة المقبلة مع إسرائيل ستكون الأخيرة، وسيكون «يوم القيامة» بالنسبة إلى الاحتلال. فأتى «طوفان الأقصى» بعد شهرين من هذا الكلام، وفعلاً كان يوم القيامة للفلسطينيين أيضاً، حيث توحّد الوعي الجمعي الفلسطيني، وهذا يؤسّس لما سيكون بعد حين.
الشيخ أبو محمد، اختار العدو الأقرب، وكان عزمه متوجّهاً لقتاله. وبعكس الشيخ أبو جعفر الذي أراد قتال الرأس أولاً في بلادنا الكبيرة المحتلة. هذه المعركة أثبتت أن لدينا عدوين، وربما يجب أن نقاتلهما معاً وفي أي مكان. ويتضح أكثر أن التلاصق بين واشنطن وتل أبيب لا ينفصل، فالعدو واحد.