يبتكر الشعب الفلسطيني في مسيرته الكفاحية، مفردات ورموزاً نابعة من صميم مقاومته المستمرة بمواجهة الاحتلال. وتدخل هذه المفردات والرموز، التي تحظى بالانتشار الواسع، في الأفكار والكتب والفنون والحكايات، وتُكتب على الملابس والجدران، كسلاح معنوي ووسيلة مقاومة تتناقلها الأجيال، باعتبارها جزءاً من سيرة ومسيرة المقاومة، من دون أن تنجح كل المحاولات الإسرائيلية في محوها، القديمة منها، والجديدة التي تظهر الآن خلال حرب الإبادة على غزة في مواقع التواصل ووسائل الإعلام، وتُتداول لاحقاً في أنحاء العالم كافة.وقد نجح الفلسطينيون منذ زمن طويل في نشر مفرداتهم ورموزهم، مثل الكوفية وغصن الزيتون وحنظلة والبطيخ الذي يحمل لون العلم الفلسطيني نفسه، ومفتاح العودة، والكلاشينكوف، وغيرها من الأدوات المرتبطة بتطور أشكال المقاومة منذ أن ارتدى الثوار الكوفية في ثورة عام 1936، مروراً بالانتفاضة الأولى عام 1987 ورمز الحجارة والمقلاع والمولوتوف، وصولاً إلى المثلث الأحمر المقلوب الذي يظهر اليوم في فيديوهات فصائل المقاومة من قلب المعارك في غزة ضد الجيش الإسرائيلي لتوثيق قصف وتدمير آلياته ودباباته.
ويرمز المثلث الأحمر المقلوب إلى المثلث الأحمر في العلم الفلسطيني ودماء الشهداء، ومسيرة التضحية والفداء، وبالنسبة إلى الإسرائيليين هو مثلث رعب يكرهون رؤيته. وظهرت أيضاً الولّاعة التي لا يتجاوز سعرها نصف دولار أميركي، حين استخدمها مقاوم فلسطيني لإحراق جرافة إسرائيلية معروفة باسم «تيدي بير» يصل سعرها إلى مليون دولار. تُستخدم هذه الجرافة في العمليات البرية لتمهيد الطريق أمام الجنود والمدرّعات والدبابات، كونها الأكثر تحصيناً، ويبلغ وزنها نحو 62 طناً، بقوة 410 أحصنة، وارتفاعها 4 أمتار وعرضها وطولها 8 أمتار، ومع كل ما تحمله من ميزات، نسفها مقاوم فلسطيني بولّاعة بسيطة، فأصبحت أحد أكثر الرموز استعمالاً وتداولاً.
وظهرت عبارة «المسافة صفر» التي تشير إلى الشجاعة الكبيرة لدى المقاومين الفلسطينيين، في المواجهات المباشرة مع جيش الاحتلال، خاصة عندما اعتلى مقاوم فلسطيني دبابة إسرائيلية، ووضع عليها العبوة الناسفة بتعبير واضح عن المسافة صفر.
ومن تلك التي استُخدمت وانتشرت، كحافز معنوي ومصدر إلهام، عبارة «لا سمح الله» التي قالها المتحدث العسكري باسم «كتائب القسام»، وعبارات مثل «بهمش» و«معلش»، و«ولّعت» التي ردّدها مقاوم فلسطيني، معبّراً عن فرحته بعد تفجيره دبابةً إسرائيلية. وقد ظهر هذا المقاوم، الذي تحوّل إلى أيقونة، وهو يقفز في الهواء فرحاً بنجاح مهمته، موجّهاً بذلك رسائل رمزية واضحة حول الثقة والصمود والثبات.
وانتشرت كلمة «ولّعت» على ألسنة الناس ومواقع التواصل، وصولاً إلى ملعب مدينة عنابة في الجزائر، حيث رسم الجمهور الجزائري لوحة فنية بعلم فلسطين، مع عبارة «ولّعت» باعتبارها الرمز الأقوى عن المعارك الشرسة التي تخوضها المقاومة ضد الاحتلال.
وأصبحت هذه الرموز الجديدة، التي تزيد الشعور بالفخر والاعتزاز، جزءاً مهماً في المواجهة ودليلاً قوياً على قدرة الفلسطينيين على ابتكار وسائل المقاومة بمهارات وأشكال وتعابير مستمدّة من الواقع والحياة اليومية للمقاومين خلال العدوان. وتحتاج هذه الرموز المحتفى بها اليوم إلى الترويج بما يتناسب مع ثقافة الشعب الفلسطيني ومقاومته ضمن تراث موحّد ورموز مشتركة، تحافظ على ترابط الشعب الفلسطيني ووحدته كشعب متماسك أكثر من أي وقت مضى.