كل عقد زمني يحمل مفاجأة كونية يكون تأثيرها أكبر من مساحتها. هذا ما حصل في بداية القرن مع هجوم «القاعدة» في 11 أيلول 2001 داخل الولايات المتحدة. والعقد الثاني بدأ بأحداث الربيع العربي في دول كانت تظن ساحتها مستقرة. وهذا العقد الثالث بدأ بانتشار «كوفيد 19» وحرب أوكرانيا، لكن الأهم هو «طوفان الأقصى». هنا، المفاجآت الفلسطينية بأبهى صورها من «سيف القدس» إلى انتزاع الحرية لستة أسرى من سجن جلبوع، ومن ثم انطلاق «كتيبة جنين» وكتائب متنقلة متنوعة في الضفة المحتلة حتى الوصول إلى الطوفان الكبير.

والمقصود بالمفاجأة أن يحدث أمر غير متوقع فيغيّر مساراً أو مصيراً. وعلى هامش هذا الحدث أو الأحداث، مفاجآت صغيرة تثير الدهشة أو الريبة أو الاشمئزاز. ومع ذلك: المفاجأة الأخطر والأكبر لم تقع بعد.
■ ■ ■

يخرج يحيى السنوار، أو محمد الضيف، أو أبو عبيدة، ويطلب الآتي: على أيّ شخص قادر على تنفيذ عملية فدائية أن يفعل في الدول المشاركة في العدوان، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. هكذا يصبح سيناريو الفوضى الشاملة عبر ضرب عمق الدول الاستعمارية أمراً واقعاً لا محالة. سيقول أحدهم إن هذا ما تفعله التنظيمات الإرهابية، فما يفعله الاحتلال وداعموه أليس إرهاباً؟ في مرات كثيرة، لا بد من ترهيب عدوك واستخدام أسلوبه القاسي لوقف العدوان عليك. ولعل تراجع «القسام» عن إعدام الأسرى على الهواء مباشرة بعد الضغط السياسي، كانت فيه أبعاد أخلاقية لا يعترف بها هذا العالم المتوحش. ويتضح أن استخدام القيم مع العدو، يتخيّله ضعفاً أو تراجعاً. وفي سؤال افتراضي: لو كان الفلسطينيون مكان إسرائيل ومعهم أقوى دولة وتحالف كبير، هل سيتعاملون بهذه الوحشية مع عدوهم؟ حكماً لا. لكن بعد ما يفعله الإسرائيليون حكومة وجيشاً ومعلّقون ومصفّقون نازيون سنفعل أكثر. صحيح أن الشعب الفلسطيني «طيب القلب»، لكن الدم يجرّ دماً والموت لن يولّد سوى الموت.
■ ■ ■

لو توقف القتال، أو دخلت غزة في هدنة لشهر أو عام لعادت النار لتشتعل. فمن يزرع الريح يحصد العاصفة. والاحتلال جعل القطاع غير قابل للحياة، فتدمير المستشفيات والجامعات والمدارس والمؤسسات الرسمية مقصود، وهذا سيرتدّ عليه. أمّا بشرياً ومجتمعياً ونفسياً، فكل عائلة تأذّت وكل أطفال غزة يكمنون حقداً وثأراً مؤجلاً سيحين وقته. في الحالة الطبيعية، هناك مقابر تبعد عن البيوت، لكن مقابر الشهداء أصبحت بيوتهم، وفي كل حين سيرى الطفل قبر والده وصور القصف والقتل في مخيّلته لا تفارقه. هكذا يتربّى الثأر حتى ينفجر فردياً وجماعياً مجدداً.
■ ■ ■

ذات مرة، اغتال ضابط رئيساً عربياً. وحين سألوه لماذا أطلقت النار عليه في العرض العسكري؟ قال: «إن زيارة الريس لإسرائيل وتوقيعه كامب ديفيد ردة وخيانة لفلسطين والأرض المصرية». كان خالد الإسلامبولي ضابطاً في الجيش المصري، وأنور السادات رئيساً للدولة والقائد الأعلى للجيش. وكم من جندي أو ضابط أو مواطن عربي كمن في نفسه حقد على حكومته وقيادتها بعد مشاهد غزة. لذلك الانتقام قادم ممن وقفوا إلى جانب الاحتلال ولو طال الوقت. وكم من انقلاب في دول الجوار وقع بعد نكبة 1948؟ ما يحصل في غزة نكبة بالصوت والصورة.
■ ■ ■

قبل حين، أعطوه لقب «شيخ الأقصى»، لكنه غاب عن السمع في «طوفان الأقصى». لم يعد الشيخ رائد صلاح يستحق لقبه، فكان مفاجأة سلبية مثل كثيرين توقّع أهل غزة منهم الكثير في مقدّمهم رجب طيب إردوغان. هو زمن الكشف والانكشاف، فلا ضير من معرفة الأصدقاء الحقيقيين والأعداء المتعددين.
■ ■ ■

بعد حين، يخرج مروان البرغوثي، أحمد سعدات، عبد الله البرغوثي، إبراهيم حامد، زكريا الزبيدي، محمود العارضة وغيرهم من القيادات الميدانية. ينقل أبو القسام ما يفعله في سجن «هداريم» إلى الساحات، وينفذ رؤيته كقائد مُخلِص مُخلّص. وتكون النتيجة: جنون فلسطيني مع برنامج وطني متفق عليه سياسياً وميدانياً وأهداف واضحة.