بعد «طوفان الأقصى» لم يتغيّر شيء على مستوى العلاقة بين الكيان الإسرائيلي وأميركا. لكن ما حصل ظهّر منسوباً جديداً منها. وهذه المادة ستفترض سيناريو للمستقبل، قد يبدو افتراضياً، لكنه في واقع الحال يحدث من دون المسمّيات والتوصيفات الواردة للأسماء التي ستُذكر، وفي هذا السيناريو محاولة للإجابة عمَّن يحكم مَن.
****
بعد انتهاء مفاعيل صورة إسرائيل القوية التي يمكنها أن تحتل الشرق الأوسط بأكمله بالحرب أو بالتطبيع والتكنولوجيا والمال، واتضاح صورة العجز والضعف وعدم القدرة على توفير الحماية للمصالح الأميركية والغربية، لا بل حاجة الكيان إلى الحماية من المخاطر والتهديدات الداخلية والخارجية، ما سيدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى قيادة الحكم في إسرائيل بشكل مباشر. بعد انتهاء كل هذا، فإننا نكون أمام إحدى أبرز نتائج «طوفان الأقصى».
ولهذا الأمر يجهّز كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونائبته وينيدي شيرمان ونائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد كوهين، أنفسهم لتولّي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بعد القضاء على بنيامين نتنياهو، وذلك كونهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، أو يخططون للحصول عليها قريباً، بحكم قانون حق اليهود بالجنسية الإسرائيلية وقتَ يرغبون بها.
وتحضّر هذه الأسماء نفسها لعدة أسباب، من أبرزها هزيمة نتنياهو في الحرب، وتوقّع خسارة بايدن في الانتخابات، وبالتالي فإن اليهود الذين يحكمون الآن في أميركا من خلال الحزب الديمقراطي لن يجدوا مكاناً لهم في الساحة الأميركية، لذا سيتوجهون إلى الساحة الإسرائيلية من أجل حمايتها كما يقولون من الجنون الأيديولوجي لليمين الإسرائيلي المتطرف، وعدم وجود قيادة إسرائيلية متّفق عليها وتحظى بالإجماع، ولكي تمنع هذه المجموعة بعد الحرب، تفكّك الجبهة الداخلية الإسرائيلية سياسياً واجتماعياً، إضافة إلى الخشية من السيناريوهات الجنونية التي يمكن أن يلجأ إليها نتنياهو دون موافقة مسبقة من الإدارة الأميركية التي تتطابق الآن وجهة نظرها مع استطلاعات الرأي الإسرائيلية، بأن الحكومة الإسرائيلية فشلت في الحرب وإدارة الصراع مع الفلسطينيين، وكي وعيهم.
إن اليمين الإسرائيلي المتطرف مجتمعاً لن يحصل على أكثر من 40 مقعداً في الانتخابات المتوقّعة في اليوم التالي للحرب، وقد يُحال معظم وزراء اليمين بمن فيهم نتنياهو إلى المحاكم، وبالتالي فإن هذه الحرب هي شهادة وفاة لليمين الإسرائيلي، وكذلك اليمين الوسط كما يقال بقيادة بني غانتس المشارك بتوجيهات أميركية في الكابينت الحربي، فهو يتخوف أن تنتهي الحرب بإحالته هو ومعظم المشاركين بحكومة الحرب الحالية إلى المحاكم الدولية، وبالتالي سيكون عليه العمل على تبرئة نفسه مما ارتكبه الجيش الإسرائيلي من مجازر بحق المدنيين في منازلهم وداخل المستشفيات.
ولا يمكن اعتبار وضع ما يُسمى قوى الوسط واليسار أفضل مما هو عليه حال أحزاب اليمين المتطرف، فقد أثبت تيار الوسط بقيادة يائير لابيد، أنه ليس صاحب قرار حتى وهو في المعارضة، ولا يفعل شيئاً ما لم تحرّكه التوجيهات والأوامر الأميركية التي تدّعي رفضها لطريقة تعامل اليمين الإسرائيلي المتطرف مع السياسة والمجتمع والحرب، لكنها لم تعارض ما ارتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن كونها تسوّق لخلافات مع نتنياهو تتعلق بالتفاصيل وشكل الحل الذي تراه إدارة بايدن بإعطاء الفلسطينيين سلطة أقل من دولة وأكثر بقليل من روابط القرى.
وخلال كل هذا يحاول نتنياهو الذهاب نحو حلمه بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وقتل أكبر عدد منهم مدعوماً ببعض الأصوات التي تخرج حتى عن السياق العام لليمين، وتقول بأنها غير تابعة بكل شيء للولايات المتحدة، مقابل أصوات أخرى تخرج لتقول يجب إقالة نتنياهو كحل للمشكلة الحالية، والخروج من الحرب بأقل الخسائر وتسليم دفّة القيادة في إسرائيل إلى الولايات المتحدة بشكل مباشر، على أن تكون البداية بتشكيل حكومة مؤقّتة تقود مرحلة انتقالية مهمتها إعادة الثقة وتحمّل المسؤولية الأمنية والسياسية والأعباء الاقتصادية الناتجة عن الحرب.
تُعتبر هذه الحكومة الانتقالية المخرج شبه الوحيد للمأزق السياسي الكبير بعد القضاء على نتنياهو الذي يؤيّد أقل من 25% من الإسرائيليين بقاءَه على رأس الحكم، ويحمّله أكثر من 80% مسؤولية الفشل في الحرب، مع ارتفاع منسوب الإحباط من حرب طويلة مكلفة وقاسية بشرياً ومادياً، مع غزة وجنوب لبنان.
وتشير التقديرات لمجريات الأوضاع العسكرية والسياسية وبعد رضوخ حكومة الحرب الإسرائيلية للهدنة وتبادل الأسرى، إلى أن الحرب لن تنتهي إلا بالقضاء على نتنياهو وتسلّم الإدارة الأميركية لدفة القيادة والحكم والمجتمع الإسرائيلي المرشح في اليوم التالي للحرب إلى المزيد من التفكك والانقسام.