كانت غزة تتوقّع أن يُطرح على جدول أعمال القمة العربية الإسلامية قرارٌ بطرد فلسطين من جامعة الدول العربية، بسبب ما فعلته وما ألحقته الصور القادمة منها من أضرار نفسية أثّرت سلباً على العلاقات العربية مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية وما لديها من بوارج وحاملات طائرات وصواريخ كروز وتوماهوك وحمائم وصقور. وقد استعدّت غزة، المتعالية على قسوة الجغرافيا والتاريخ، لاستقبال هذا القرار، بالتزامن مع استعدادها لرسم شكل جديد بعد الحرب، لمجالها الحيوي المتعلق بالبر والبحر والحصار - من دون أن تخدش ما قاله الأستاذ مصطفى مراد الدباغ في كتابه الموسوعي «بلادنا فلسطين» أن فلسطين على صعيد الموقع والمساحة، تقع غرب القارة الآسيوية، بين خط الطول 15-24 و 40-35 شرقاً، وبين دائرتَي العرض 30-29 و 15-33 شمالاً، وهي الجسر الذي يصل الجناح العربي الآسيوي بالجناح الغربي الأفريقي، وتبلغ مساحتها 27009 كلم، ويحدّها من الشرق المملكة الأردنية ومن الشمال الشرقي سوريا، ومن الشمال لبنان، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب والجنوب الغربي مصر. وعن غزة الفلسطينية، التي اعتبرها نابليون بوابة آسيا، ومدخل أفريقيا، يقول الأستاذ عارف العارف: غزة ليست وليدة عصر من العصور، وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة، وعصية دائماً على الانكسار والاستسلام والخضوع.


ولهذه الأسباب المتعلقة بقسوة الجغرافيا والتاريخ ولما فعلته غزة في عملية «طوفان الأقصى» دفاعاً عن القدس والأسرى ورفضاً للاستيطان والحصار، والتي ردّ عليها الاحتلال بإعلان الحرب بالطائرات والدبابات، مطمئناً بأن العرب كما قال الشاعر نزار قباني: «حربهم إشاعة وسيفهم خشب» ما يتيح له أكثر ممارسة شهوة القتل ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المباني والمنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، وقطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء عن غزة... لكل هذه الأسباب وغيرها بحث الذين اجتمعوا في القمة ما فعلته غزة بحق الإسرائيليين الذين كانوا مع بعض الأنظمة قاب قوسين أو أدنى من إتمام مراسم ومواسم التطبيع التي أفشلتها أو أجّلتها الحرب، ولذلك كان متوقّعاً أن يأخذ العرب قراراً تاريخياً، بطرد فلسطين وغزة من الجامعة العربية ومن كل محافل ومواسم العرب والمسلمين.
على أن يتبع هذا القرار، إعلان غزة عن انضمامها إلى دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، خاصة أن غالبية هذه الدول، ومنها كولومبيا وبوليفيا وتشيلي وكوبا والبرازيل وفنزويلا، قد اتّخذت مواقف داعمة ومؤيّدة لغزة وأهلها انطلاقاً مما يجمعهم من روابط الماء والبحر، وليس روابط الدم واللغة والأخوّة التي لم تنفع غزة وأهلها في أحلك الظروف بشيء.
ويُتوقع أن تجد غزة بالغ الحفاوة والترحيب من أشقائها في دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي الذين ومنذ بداية الحرب أخذوا المواقف الداعمة لها والرافضة للعدوان عليها، من منطلق إنساني وحقوقي رافض للمجازر وحرب الإبادة الجماعية.
ومن أبرز تلك المواقف ما قاله رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو الذي اتّهم الاحتلال بارتكاب أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وكذلك الرئيس الكولومبي غوستافو بيرو الذي قال: لقد درست تاريخ القضية الفلسطينية منذ شبابي، وعرفت جيداً معنى الاحتلال والفصل العنصري، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ولا يمكنني أن أتغاضى عن هذا. وعزّز كلامه بصورة لخارطة فلسطين والتغييرات التي طرأت عليها منذ النكبة في عام 1948، واصفاً غزة بالسجن الكبير المحاصر.
كما قال الرئيس البوليفي الأسبق إيفو موراليس وهو يرفع علم فلسطين: إن الشعب البوليفي سيدين دائماً الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين، والعدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل الاستقلال، تلك هي الأسباب الحقيقية للصراع، وعدم إدانتها يعني التواطؤ، وعندما يدافع الفلسطينيون عن أرضهم تُطلق عليهم صفة الإرهاب.
وقد أثارت هذه المواقف إعجاب الفلسطينيين وكثيرين من العرب الذين تحسّروا على مواقف دولهم تجاه العدوان، وكيف كانت دول أميركا اللاتينية سبّاقة في مواقفها تجاه غزة والقضية الفلسطينية التي يعتبرونها عنواناً للإنسانية والنضال من أجل الحرية.
ولم تكتفِ هذه الدول بالكلام وطرد السفراء بل أرسلت مساعدات إلى غزة، خاصة من بوليفيا التي تبعد عاصمتها لاباز عن غزة 12119 كلم، ولكنها أقرب كثيراً من حكومات وأنظمة العرب والمسلمين الذين صدر عنهم في «القمة» قرار حاسم بطرد غزة وفلسطين من حساباتهم، لأسباب مرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، الذي سيبدأ فيه الغزيون بتسمية أبنائهم بأسماء مثل سيمون وشافيز وكاسترو ومادورو وغارسيا وبيدرو وأيفو وخوسيه، وهذا ما سوف تعتبره الأنظمة عاراً على العروبة والعرب، الذين يجب عليهم على هامش أعمال القمة، وبعد الطرد أن يفعلوا ما طلبته منهم الشاعرة أمل يازجي من غزة حين قالت لهم: «نظّموا حفل عشاء كبيراً ولا تنسوا كاتشاب دمائنا، ولا فلفل قهرنا، ولا عصير دموعنا، ولا مونامور صراخنا، لقد زال همّكم الكبير وإلى الأبد».