ما أسهل الكلام عن أن ما يحدث في مخيم عين الحلوة، محاولة جديدة لإنهاء ملف اللاجئين بأيدي الفلسطينيين وغيرهم من «الأغيار» في المخيم. وما أسهل القول إن الفلسطينيين ضحايا أنفسهم. لكن ما يصعب قوله عادة، احتمالات الحقيقة، أو الحقيقة عينها. فليس هناك شك بأن جهات عدة تعرف حقيقة ما يجري، وتعرف أن المخيم يستخدم للمرة «الألف» وسيستخدم للمرة «المليون» إن لم تحسم الأمور كما ينبغي أن تحسم، لا لمصلحة أحد إلا اللاجئين الفلسطينيين الذين لا مأوى آخر لهم.ولا ريب أن القوى المتطرفة في المخيم، لا يهمّها إن بقي المخيم أو صار أثراً بعد عين، ولا يعنيها إن بات سكانه في العراء أو في الخيام التي نصبت في صيدا وأزيلت، فما يهمّ هذه القوى نشر شرّها، ولا حتى «عقيدتها» و«إيمانها»، فهي موجودة في المخيم، في موقعه الجغرافي الحساس للاستخدام من كل القوى التي يمكن أن تدفع، فتنفذ من أجلها ما تريد، والقتلى لديها ترضيتهم في الدنيا مال وفي الآخرة «الجنة» كما يوهمون.
من المضحك أن هذا المخيم الذي مرتّ عليه إسرائيل وخرجت، وبنته النساء مجدداً، يتحكم في مصيره اليوم مجموعة من الذين سيذهبون بعد دماره إلى مكان آخر، يهمّ أجهزة في العالم، سيستخدمون فيه مجدداً، ويؤدّون دورهم في تدميره بمنهجية، وأظن أن المكان القادم هو مخيم البداوي، وها هو في الطريق مخيم جنين، وقبله كان مخيم اليرموك ومخيم نهر البارد، ولاحقاً سيأتي الدور على مخيم الرشيدية. وليس في الكلام هذا نظرة نحو المؤامرات التي تحاك على ملف اللاجئين الفلسطينيين، لكن هناك شبه يقين بأن ما حدث ويحدث في هذه المخيمات الكبرى مشروع اجتمعت عليه قوى تريد أن تنهي هذا الملف إلى الأبد لتكمل محاولاتها لإنهاء الشعب الفلسطيني في الداخل.
■ ■ ■
مجدداً تندلع المعركة في مخيم عين الحلوة، ومجدداً يحار الفلسطينيون واللبنانيون والمهتمون، من أين سيستقون معلوماتهم الدقيقة عما يحدث، ولا يسعهم في النتيجة إلا القفز إلى «مجموعات واتس أب» مغلقة تنشر الأخبار والإشاعات والفبركات، وعلى المهتم أن يلجأ إلى «مجموعات» أخرى لاستقاء الأخبار الدقيقة، مع التحفظ على كلمة دقيقة، لأن عملية التأكد تتم عبر أشخاص في الغالب استقوا أخبارهم من «مجموعات» أخرى. في حين أن المعنيين فلسطينياً، لم يعيّنوا ناطقاً رسمياً، وليس لديهم موقع، يقدّم الأخبار والمعلومات للجمهور وللصحافيين. وأمام عدم قيامهم بذلك، يتذمرون من الكتابات الصحافية التي تبني على المعلومات المروجة والمتداولة على «واتس أب» موادها الصحافية وتحليلاتها، في حين أن سد الذرائع سهل وبسيط، فيكفي أن يخرج «المكتب الإعلامي» للسفارة أو المنظمة في لبنان ببيان أو بيانين يومياً، يقدم معطيات الميدان، والرأي أو التصريح السياسي.
المعنيون فلسطينياً، لم يعيّنوا ناطقاً رسمياً، وليس لديهم موقع، يقدّم الأخبار والمعلومات للجمهور وللصحافيين. وأمام عدم قيامهم بذلك، يتذمرون من الكتابات الصحافية التي تبني على المعلومات المروجة والمتداولة على «واتس أب»


ما سبق يشير إلى جانب من الإشكالية، أما الجانب الآخر، فبعض «المجموعات» تقوم على فكرة شق المجتمع الفلسطيني والتحريض ضد الآخر، والتعامل مثلاً مع عناصر «الأمن الوطني» على أنهم صهاينة، ويجب القضاء عليهم، وما أصغر العقول التي يمكن أن ترى أن هذه الفكرة صحيحة عن شباب تربّوا في المخيمات، وليس لهم لا في خمير «السلطة» ولا بفطيرها، فيسهل لدى هؤلاء بعد إذ أن يعتبروا إخوة لهم أعداء، في حين أن الغريب عن المخيم وعن المجتمع الفلسطيني واللبناني في أفكاره وتوجهاته باد كعين الشمس. وعن الانحياز ها هنا في الصياغة السابقة، فهو مقصود، وليس فيه عيب من وجهة نظر، فالاختلاف مع «فتح السلطة» مسلّم به، لكن لا اختلاف معها في إنهاء ظاهرة هؤلاء الذين إن ضاقت بهم تحزّموا بالناسفات ليفجروا أنفسهم بكل من تقع عينهم عليه، والتاريخ القريب والبعيد لشوائن هؤلاء ماثلة، وكم من ضحية بريئة ارتقت إلى ربها بفعل هؤلاء وتفجيراتهم باسم الدين وتكفير كل من لا يكون على هواهم.
في السياق ذاته، ستنتهي المعركة، ويمكن أن تقف وتتجدد الاشتباكات، لكنها ستبقى بلا معطيات. فحتى الآن، لا يمكن الجزم بأعداد الضحايا من الطرفين، وبأعداد الضحايا من المدنيين، باستثناء بيان لمستشفى الهمشري التابع للهلال الأحمر الفلسطيني في صيدا، تم تداوله على مجموعات «واتس أب».
■ ■ ■
ضمن الأجواء الحاصلة في مخيم عين الحلوة الآن، يمكن التعثر ببعض القوى الفلسطينية الكبيرة، والانتباه إلى «دورها» ولا سيما أنها لا تبدي مبادرة أو دوراً لا عسكرياً ولا سياسياً، فتبدو كأنها تقف متفرجة على ما يجري. فلماذا ليس واضحاً دورها وموقفها، وهل تضارب أو تقاطع المصالح، يقتضي اللعب في منطقة «الحياد»، وقطف الثمار بعد «الهزيمة» و«الانتصار». إن مثل هذه الأدوار، ولا سيما من القوى الوطنية الفلسطينية غير مفيد، ولست هنا بصدد المطالبة بالدخول في المعركة، لكن على الأقل تسجيل الموقف من أجل التاريخ لا غير، فالقوى «المتطرفة» تتناقض إيديولوجياً وفكرياً مع العديد من فصائلنا الفلسطينية اليسارية، والأولى تراها كافرة ومحاربتها «فرض عين».
■ ■ ■
يتبادر إلى ذهن أي متابع حصيف للأحداث الفلسطينية في لبنان، سؤال، عن كيفية إدارة هذا الحدث أو ذاك، وعن العقلية التي تعالج المسائل سياسياً. ويبدو أن الإجابة عن هذا الأمر معقدة نسبياً، ولا سيما أن الشخصيات الفلسطينية البارزة في مثل هذه الملفات لا تعطي انطباعات جيدة في التعبير عن الأحداث، وبعض هذه الشخصيات ليس لها تاريخ وخبرة في العملية السياسية. فكيف تدار هذه الشؤون؟ على الأغلب أن شخصيات من رام الله هي التي تدير الأمور عن بعد، وعلى رأسها عزام الأحمد، الرجل الأول هيكلياً في لبنان، رغم عدم إقامته إلا في حالات الطوارئ، وعلى أهمية هذا الرجل وعقله السياسي المشهود له، إلا أن عدم وجوده على الأرض في اليوميات، يطرح أسئلة جديدة عن مدى تمكنه من الإحاطة بكل الشأن الفلسطيني في لبنان، ولا سيما أن تجربته الدبلوماسية الطويلة كانت في العراق. ويمكن البناء على هذا السؤال، عن التقارير التي تقدمها الشخصيات الموجودة على الأرض ومدى دقتها، وبالتالي مدى دقة تقدير المواقف أمام الجهات الرسمية وغير الرسمية اللبنانية. والأمر ذاته ينسحب على «حماس».