قبل أيام خرجت تظاهرة للاجئين الفلسطينيين أمام فندق «موفنبيك» في بيروت، بالتزامن مع اجتماع اللجنة الاستشارية لـ«الأونروا». وخلال الاجتماع قدّم المفوّض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني، خطاباً بيّن فيه المخاطر التي تحيق بالوكالة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين. ومن ضمن ما صرّح عنه، حاجة «الأونروا» إلى 300 مليون دولار هذا العام، لم يصل منها إلا 13 مليون دولار كدعم إضافي. لعل هذا التصريح ليس غريباً عن «الأونروا» ومفوّضها العام، ولا الناطقين باسمها. وبات معروفاً وواضحاً السبب الذي تمتنع من أجله عدة دول عن دفع التزاماتها تجاه الوكالة. والسبب سياسي بطبيعة الحال. فهذه الدول تريد إنهاء هذا الملف العالق من غير حل منذ أن وقعت نكبة فلسطين عام 1948، لكن لم تقدم أي منها على تقديم حل للاجئين الفلسطينيين، كالضغط من أجل تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولا سيما القرار 194. إذاً، المطلوب أميركياً وإسرائيلياً تصفية هذا الملف، بأساليب مختلفة منها تجفيف موارد «الأونروا» حتى إعلان إفلاسها، وبالتالي إنهاء ولايتها، ونقل ولاية اللاجئين (ربما) إلى المفوّضية العليا للاجئين التي يمكنها توطينهم في البلدان المضيفة أو نقلهم إلى بلدان أخرى، علماً أن العمل الأول لها، هو إعادتهم إلى بلدهم الذي هُجروا منه، لكن أمام إسرائيل لن يُطرح هذا الأمر، على العكس، قد يجد بعض المشرّعين ذريعة قانونية، أن هؤلاء تهجّروا من فلسطين، بينما اليوم الدولة المعترف بها في نفس الجغرافيا هي إسرائيل.
أمام كل هذا الواقع المتخبط، الذي يلعب فيه العالم بمصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين، ليس هناك من يتخذ فعلاً يؤدي إلى اقتراح حلول تبقي على قضية اللاجئين وعودتهم مشعّة في وجه العالم. فأمام الاجتماع الذي انعقد في بيروت قبل أيام، أخرجت بعض الفصائل عدداً من منتسبيها ليتظاهروا أمام فندق «موفنبيك» حيث كان اجتماع اللجنة الاستشارية. تظاهرة في الشكل لم تكن حاشدة، وفي المضمون لم تكن حتى مؤثرة، وذلك لسبب بسيط، أن أي تحرك شعبي لا يترافق مع تحرك سياسي فعّال. فليس هناك إلا خطابات قليلة يأتي خلالها المسؤول الفلسطيني على ذكر اللاجئين وقضيتهم، ومشكلة الوكالة، وفي الغالب يطلق هذا الخطاب الذي يكون في بعض الأحيان «نارياً» أمام الفلسطينيين أنفسهم، أولئك الذين يحضرون بسبب فصيلهم المشارك في الفعالية الخطابية.
إنّ ما يجري اليوم على صعيد اللاجئين الفلسطينيين لم يبدأ اليوم، وليس جديداً ما أقوله، لكن الذي لا تريد القوى الفلسطينية الاعتراف به، ومصارحة نفسها به، هو «من يهن يسهل الهوان عليه»، فمثلاً حين قرّرت «الأونروا» منع تدريس تاريخ وجغرافيا فلسطين في مدارسها، ومرّ القرار، ونجحت في ذلك الوكالة ومن قرّر لها فعل هذا، لم تتحرّك الفصائل إلا بالخطابات وبعض التظاهرات التي لم تترافق مع فعل سياسي فانتهى مفعولها، وكانت النتيجة الحتمية لذلك أن يسأل الصحافيون أطفالاً في المخيمات «من أين أنت؟» فتكون الإجابة السريعة التي يعرفها هذا الطفل «من المخيم». هذه النتيجة التي باتت واقعاً، مُرّرت بسلاسة، وإنهاء «الأونروا» أيضاً سيمر بسلاسة، إن لم يكن في هذا العام، فقريباً، وقريباً جداً، طالما أن من يمثلون الشعب الفلسطيني بمختلف اتجاهاتهم، يظنون أنهم يفعلون ما عليهم، ويعتقدون أنهم سينتصرون بفعل الحق. الحق يقول يا أيها الساسة الكرام، إن لم تكن على قدر المسؤولية فابتعد عنها، ودع من هم أهل لها يحملونها. فاللاجئون الفلسطينيون ليسوا اللعبة الأسهل في زمن باتت السياسة الفلسطينية مبنية على لغة «احمونا»، وليسوا اللقمة السائغة التي بوسع أحدهم التنازل عنها من أجل «السلام»، فلا حل على الإطلاق من دون اللاجئين وعودتهم إلى أراضيهم. وإن كان رئيس السلطة الفلسطينية قال عام 2014: «لن نغرق إسرائيل باللاجئين» لثلاثمئة طالب إسرائيلي كان في لقاء معهم في المقاطعة برام الله، فإن من نافلة القول التذكير بأن عباس اللاجئ من صفد، لا يقرر عن ملايين اللاجئين من أنحاء فلسطين. لذا، فإن كانت بعض التصريحات غير المسؤولة بقصد الدبلوماسية الناعمة المتبعة لدى السلطة الفلسطينية هي السبب، فإن السؤال المفتوح عن الإجراءات التي تتبعها السلطة وباقي الفصائل الفلسطينية لمنع إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبدلاً من أن يكون النضال اليوم من أجل استمرار تمويل «الأونروا»، ربما سيكون غداً من أجل القبول بالحلول التي ستطرحها أميركا وأوروبا وإسرائيل، كتهجير اللاجئين الفلسطينيين إلى أصقاع الأرض، هذه المرة بتوقيع رسمي، سيأتي بعد عباس من يوقّع عليه. لكن السؤال الآخر المحسوم، هل تجرّأت أمّ فلسطينية على إنجاب من يتنازل عن حق العودة؟