يحيي الفلسطينيون في مخيمات النيرب وحندرات والرمل الجنوبي شهر رمضان المبارك لهذا العام، وسط ظروف هي الأسوأ اقتصادياً ومعيشياً ما بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط الماضي. بيوت مدمرة وأخرى متصدعة لم تعد تصلح للسكن، وكذلك الشوارع والساحات كئيبة، ووجوه الناس بائسة، وأجسادهم أنهكتها الحرب، خلال أكثر من أحد عشر عاماً وما زالت تداعياتها الخطيرة مستمرة. في ظل هذه الأوضاع الصعبة، ولا سيما بعد الزلزال، جالت «الأخبار» في هذه المخيمات، واستطلعت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، عبر بعض الشهادات

رشدي الزهر، رجل إطفاء متقاعد من مخيم حندرات، يقيم في مخيم الرمل باللاذقية منذ بداية الأزمة السورية، يتحدث عن أجواء رمضان اليوم في المخيم: «تختلف هذا العام عن سابقاتها، تفتقر المائدة لكثير من الوجبات الرئيسية ذات القيمة الغذائية العالية للجسم. كما أن المائدة لم تعد تجمع الأهل والأقارب، عدا عن فقدان تبادل الأطباق والحلويات بين الجيران والناس عامة كما كان الأمر في السابق، فكانت الموائد فيها من صنع البيت، وفيها من طبخ أم محمد وأبو نورس وبيت مصطفى وهكذا، أما الآن، بتنا نفتقر إلى هذه العادة الإيجابية بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة والارتفاع الجنوني في الأسعار، بخاصة بعد التعرض لكارثة طبيعية تمثلت بالزلزال». وقبل كارثة الزلزال كانت «الحرب والحصار، اللذان تتعرض لهما سوريا، وأصبحنا نتدبر الموائد الرمضانية على شكل عينات بسبب الشح الكبير في تأمين الطعام بمختلف أنواعه».

لا خيم رمضانية
لا تتوقف المعاناة عند تحضير موائد رمضان، بل تتسع دائرتها لتطاول أسعار المنازل، تحديداً أجورها: «نعاني من الارتفاع الكبير لإيجار المنازل التي لا تتناسب مع دخلنا البسيط، بدل أن يكون الأمر عكس ذلك، فأنا راتبي التقاعدي مئة ألف ليرة، بينما أجرة المنزل الذي أسكن فيه تصل إلى 150 ألف ليرة. وهناك منازل أجرتها أكبر من ذلك بكثير وهذا غير معقول أبداً»، يقول الزهر. هذا المنزل، الذي يحتاج إلى أضعاف راتب الزهر التقاعدي، يحتضن سكانه في معظم الأوقات في رمضان، فلم تعد تعقد السهرات ولا الخيام الرمضانية. يخبرنا الزهر والحزن يرتدي وجهه: «نقضي كل أوقاتنا في المنازل، فلا يجتمع الأهل والأقارب إلا نادراً. وحتى أماكن الترفيه، نفتقدها بشكل شبه كامل، كما نفتقر إلى برامج التسلية وإلى متابعة التلفزيون، نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة».

المساعدات لا تكفي
«قليلة جداً»، هكذا يختصر الزهر موضوع المساعدات، لكنه يستطرد موضحاً «وكالة الأونروا، قدمت مشكورة، مساعدات مالية استثنائية، بلغت 441,500 ليرة سورية، لكل عائلة، إلا أن هذا المبلغ لا يكفي في ظل الواقع المعيشي الصعب والشح الكبير بالمعونات والمساعدات من المنظمات والهيئات والجهات المحلية والدولية. وعدد العائلات في هذا المخيم (الرمل) يصل إلى 4 آلاف عائلة على الأقل، ولا يتم توزيع سوى 300 سلة غذائية ضمن فترات متباعدة، وهذا قليل جداً، ولذلك غالبية العائلات متضررة والمخيم بحاجة إلى ما يكفيه من المساعدات الاستثنائية، بغض النظر عما إذا كانت البيوت مهدمة أم لا، لأن أعمالنا متوقفة، والإيجارات مرتفعة، والوضع الاقتصادي والمعيشي يزداد صعوبة، بخاصة خلال شهر رمضان».
وعن المساعدات، يوضح عبد الرحمن الصواف، أحد القاطنين في مخيم الرمل، لـ«الأخبار»، أن «معظم الفصائل والقوى، كحركة الجهاد الإسلامي، والسلطة الفلسطينية، وحركة فتح، والهلال الأحمر الفلسطيني، جميعهم قدموا إعانات، تمثلت بسلل غذائية للأسر، وأيضاً للمعوقين والأرامل وكبار السن، ومساعدة إضافية من الأونروا قيمتها ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة، لأصحاب البيوت المهدمة، والأخرى التي بحاجة إلى ترميم جراء الزلزال».

حلم «شوربة العدس»
تسكن فاطمة.س، مع ثلاثة أولاد، في بيت استأجرته بمحيط المخيم، بعد أن فقدت الأسرة كل ما تملك. تصف رمضان هذا العام بأنه الأقسى على الإطلاق، مع انعدام القدرة الشرائية، وشح المواد الغذائية الرخيصة في الأسواق. تضرب فاطمة لنا مثالاً عن شوربة العدس: «هي من الأطباق الأساسية في بيتنا خلال رمضان، بسبب ما تعطيه من طاقة وفوائد صحية بعد فترة الصيام. تكلفتها اليوم أكثر من 10 آلاف ليرة سورية [الدولار في السوق الموازية 7425 للدولار الواحد]». تعبر فاطمة عن حزنها، فلا شيء يدعو للسرور في نظرها، «هي الحكاية مطولة هيك، ما في شي بسر الخاطر، بعد ما فقدنا كل شي وتشردنا من جديد وضاعت كتير أمور وتراجعت أوضاعنا الصحية كتير، بسبب عدم التغذية الكاملة، وما في مصاري بتكفي، ولا مساعدات منيحة، تحديداً بهذا الشهر المبارك. تعبنا كتير والله، وبدنا حلول لمشاكلنا كلها».
أفراد أسرتي سبعة، ومدخولي الشهري لا يتجاوز ثلاثمئة ألف ليرة، ولا أستطيع توفير كل شيء على صعيد المأكل والملبس والتعليم وغير ذلك


«الأونروا» متهمة
في مخيم النيرب بمحافظة حلب، لا يبدو المشهد مختلفاً، في ظل العيش بالقليل القليل، وتقديم ما يمكن من المساعدات، من قبل الجهات المعنية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، «لواء القدس». يقول مسؤول الإعلام الحربي محمد أبو الليل، من المخيم، لـ«الأخبار»، إنّ «غالبية الجهات المعنية، ومنها لواء القدس، يقدمون سللاً غذائية، وبعض المواد الصحية، والمساعدات المالية إلى الأهالي في كل الأوقات، وهناك إغاثات استثنائية يحصلون عليها في رمضان لمواجهة الظروف الصعبة جداً، والتداعيات الكبيرة للحرب والزلزال». يؤكد أبو الليل أن أوضاع الناس صعبة وليست سهلة، ويبين أيضاً أن «هناك استياء في صفوف المنكوبين من وكالة الأونروا وطريقة صرف المعونات، بسبب سياساتها التي تهيمن عليها الدول المانحة، إضافة إلى وجود تمييز في تقديم الخدمات والمساعدات»، يطالب أبو الليل الوكالة بأن تعيد النظر «في سياسة صرف المساعدات، وتقديم رواتب شهرية لمتضرري الزلزال في المخيمات المنكوبة وغيرها، فنحن كفعاليات أهلية وجمعيات خيرية، لا يمكننا أن نغطي كل جوانب المساعدات وغيرها في ظل شيوع البطالة الواسعة و الفقر المدقع».
س.ع، واحد من سكان مخيم النيرب، يؤكد لـ«الأخبار» الأوضاع الصعبة التي تحدّث عنها أبو الليل، «أفراد أسرتي سبعة، ومدخولي الشهري، لا يتجاوز ثلاثمئة ألف ليرة، ولا أستطيع توفير كل شيء على صعيد المأكل والملبس والتعليم وغير ذلك، من الاحتياجات المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني خاصة في شهر الصوم اللي منعيشه يوم بيوم وبالقطارة، وأحياناً نحصل على مساعدات تموينية، ومالية، لكنها ما بتلبي الغرض بتحقيق الاكتفاء، لذلك اضطر أحياناً وكل ما صار مجال، للعمل الإضافي، لتأمين لقمة العيش لعائلتي، وأرجو أن تتحسن الأوضاع لنعيش أجواء رمضان متل السابق».

رمضان منكوب ومخيم منسي
مخيم حندرات، ليس أحسن حالاً، يقدّر أمين سر شعبة مخيم حندرات في «فتح الانتفاضة» الأخ أبو علي، أن «85% من المخيم مدمر، وبسبب الزلزال أصبح المخيم منكوباً، ومع الدمار الكبير وعدم توافر الكهرباء والماء، تحول شهر رمضان لمجرد عادة، حتى العلاقات الأسرية أصبحت ضعيفة بواقع هذه الحال، بينما المساعدات التي ترد للمخيم، هزيلة ولا تفي بالغرض المطلوب، حتى أن بعضها لم يصل إلى من يستحقونها. والأونروا ضعيفة جداً اتجاه هذا الموضوع. نتمنى تسليط الضوء على هذا المخيم، لأنه منسي من كل الأطراف».
أمّا زاهر طحان، وهو أحد سكان حلب، ويعمل مراسلاً صحافياً، ويغطي أوضاع المخيمات أحياناً، عبّر لـ «الأخبار» عن مشاهداته: «لقد ذهبت قبل عدة أيام إلى مخيم حندرات، ولم أجد ما يدلل على أجواء شهر رمضان، لأن كل شيء مدمر، ولا حياة في المخيم، بسبب عدم عودة معظم الأهالي إليه نتيجة الأضرار الكبيرة التي تعرض لها خلال فترة الحرب على سورية وتشرد أهله منه». ويتابع: «أمّا مخيم النيرب، فيعيش أهله أجواء رمضانية مقبولة، فهناك حركة البيع والشراء نشطة نوعاً ما، وهم يحبون العمل، ويحاولون التغلب على الواقع الأليم والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، مع عدم كفاية المساعدات التي تقدم من قبل المنظمات الدولية وتحديداً وكالة الأونروا».

...و«الأونروا» تردّ وتوضح
حالة الاستياء شبه العامة من «الأونروا»، دفعتنا للسؤال عن دورها وبرامجها في المساعدات للاجئين الفلسطينيين في سوريا. أجابت الوكالة عبر مصدر إعلامي مسؤول لديها في سوريا، بأنها «طورت خطة استجابة لدعم اللاجئين الفلسطينيين المتضررين من الزلزال الذي ضرب أجزاء من سوريا في 6 شباط 2023. كما ناقشت الأونروا خطتها مع الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب. ويسر الأونروا أن تشارككم أنها بدأت في توزيع مساعدات نقدية استثنائية للأسر المتضررة بشكل مباشر من الزلزال في المناطق المتضررة التي حددتها الحكومة السورية في اللاذقية وجبلة وحماة وحلب (بما في ذلك مخيمات النيرب وعين التل)». وأضاف المصدر أنه «سيتم تقديم المساعدة النقدية الاستثنائية لعائلات اللاجئين الفلسطينيين، التي فقدت منازلها (منازلهم منهارة) أو الذين أخلوا منازلهم لأنها (منازل غير آمنة)، وكذلك عائلات اللاجئين الفلسطينيين، التي لم تغادر منازلها لأنها تعرضت لأضرار جزئية، حيث يعتمد تحديد المستفيدين بناء على المستندات المقدمة والموافقة عليها من قبل اللجان الهندسية المشكلة من قبل الحكومة أو سلطات معنية أخرى، إضافة إلى ذلك، سيقوم موظفو الأونروا بزيارة هذه المنازل للوقوف على الاحتياجات وتقييم أوضاعها».
وتؤكد «الأونروا» أيضاً أنها بدأت «صرف المساعدات النقدية، اعتباراً من 23 آذار 2023، حيث باشرت بتوزيع المساعدات النقدية لمدة شهرين. وخلال الفترة المقبلة، ستواصل إعداد قوائم جديدة بالمستفيدين، لدعم اللاجئين الفلسطينيين الذين تضرروا من الزلزال في المحافظات، من خلال مراجعة التقييمات المتاحة والمعتمدة، وكذلك تقييمات الوكالة الخاصة بمعايير الاستحقاق».