«في هذه الأيّام المباركة كم نحن بحاجة إلى قائد مثل الشهيد جمال أبو سمهدانة، صاحب العقلية العسكريّة الفذّة، أرطبون فلسطين»(منشور أثناء حرب 2014 للشهيد باسل الأعرج عن الشهيد أبو عطايا، الأمين العام المؤسّس لـ«لجان المقاومة الشعبية» وذراعها العسكرية «ألوية الناصر» / أرطبون: قائد روماني عُرف بالدهاء والحنكة)

في رفح، بوابة فلسطين الجنوبية، وفي بيت بسيط من بيوتها، حيث الحوش المفتوح والغرف البسيطة، ولدتُ بعد نكبة فلسطين، وقبل نكسة الـ 67 بـ 5 سنوات. ولمّا دخلتُ المدرسة عايشت مشاركتي جدّي وأعمامي وإخواني الكبار أعمالَ المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال الصهيوني.
جدّي وأبي وأعمامي كانوا من أصدقاء الشهيد محمد يوسف النجار، الذي انضوى في العمل المقاوم للاحتلال الصهيوني منذ الخمسينيّات، وأسّس العمل العسكري ضد الاحتلال في حركة فتح. وبعد النكسة، بدأ أبو يوسف النجار بتنظيم المقاومة المسلّحة للاحتلال في غزة، وكان منزل عائلة أبو سمهدانة نقطة ارتكاز ثورية، ينطلق منها الثوار والفدائيّون.

حلّق أخي صقر مع مقاتلي الثورة الفلسطينية فغادر إلى الأردن، ومن ثم إلى لبنان، واستشهد في عام 1975 مدافعاً عن شرف الثورة الفلسطينية. أمّا أخي طارق، فقد بقي في غزة يناضل ويقاتل في صفوف المجموعات النضالية في «فتح»، واستشهد في عام 1992، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ما إن اشتدّ عودي وبلغت الـ17 من عمري حتى بدأت البحث عن أجوبتي. بدأت بالعمل الشعبي المقاوم في قطاع غزة، وبعد أن رفع بنك «هبوعليم» الصهيوني علم الاحتلال فوق مقرّه في غزة لأوّل مرة منذ عام 1982، بادرت وأحرقت سيارة مديره، لتبدأ رحلتي مع المطاردة مع الاحتلال.
غادرتُ غزة، وحاولتُ الذهاب إلى لبنان، ولكنّ المخابرات المصرية اعتقلتني، ومن ثم التحقت بجهاز أمن الثورة الموحّد في عام 1985، تحت قيادة الشهيد صلاح خلف، ومن ثم ضمن مرافقة الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، الذي توسّط لي للذهاب لدراسة العلوم العسكرية في ألمانيا الشرقية. ومن ثم توجّهت إلى العراق وعملت مدرّباً لقوّات القادسية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني. وكنت أتحرّق شوقاً للعودة إلى فلسطين، ولكن قبل العودة التقيت برفيق دربي، الذي لا تعرفون كثيراً عن علاقتي به، إنّه الشهيد فتحي الشقاقي (أبو إبراهيم). التقيته في الجزائر خلال عام 1993، وهناك بدأت أتأثّر بفكره الإسلامي الثوري المقاوم المعادي للاحتلال والموجّه بوصلته نحو فلسطين. وبإمكاني القول إنّ فكرة تأسيس «ألوية الناصر صلاح الدين» وُلدت هناك.
بعد تفاهمات أوسلو في عام 1995، رجعت إلى غزة وعملت مع أجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي، ولكن في الوقت ذاته اشتغلت مع مجموعات تابعة للقوى الإسلامية المجاهدة (قسم)، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وتواصلت مع شباب من كتائب القسام، وآويت مطاردين من الاحتلال مثل يحيى عياش، وإبراهيم المقادمة، ومحمد السنوار، وغيرهم. وبعد عملية بيت ليد تم اعتقالي من قبل السلطة لمدة ثلاثة أشهر.
بعد تحرير جنوب لبنان على يد المقاومة، بدأت بالتفكير مع رفاقي وإخواني، مثل الشهداء: محمد الشيخ خليل، ومحمد أبو شمالة، ورائد العطار، ومحمد برهوم، وغيرهم، بنقل تجربة تحرير الجنوب إلى فلسطين، وكانت شرارة انتفاضة الأقصى هي الفرصة. فبدأنا العمل العسكري النوعي: عبوات موجّهة، اقتحامات وقذائف هاون، وفي الوقت ذاته أسّست مع رفاقي «ألوية الناصر صلاح الدين».
في «ألوية الناصر» كان لنا قصب السبق في عدة تطوّرات نوعيّة في العمل العسكري في فلسطين؛ ففي 15 آب 2001 استهدفنا مستوطنة كفار داروم بأوّل صواريخ فلسطينية مصنّعة محلياً، وفي 14شباط 2002 فجّرنا عبوة ناسفة وزنها 80 كيلو بدبابة ميركافا 3، وأعطبناها.
شاهدت بعينَيَّ الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة في عام 2005، وكنت حريصاً على نقل تجربتي الأمنية إلى قوى المقاومة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، فكانت فكرة «القوة التنفيذية» فكرتي، وهي شبيهة بفكرة جهاز أمن الثورة الموحّد. وكنت على يقين أنّ معركتنا مع الاحتلال لم تنته بالانسحاب من غزة، فبدأت مع الشباب في «القسام» و«جيش الإسلام» بالتدريب لتنفيذ عملية «الوهم المتبدّد»، ولكن كنت على موعد مع الشهادة قبل أن تتحقّق في 8 حزيران 2006، ولكنّ أبنائي نفّذوها بعد استشهادي بعدة أسابيع. وفي كمين العلم في غزة، عام 2018، شعرت بأنّ روحي تحلّق فوق غزة، وفي كل عمل نوعيّ يقع في فلسطين أزداد يقيناً بحياة الشهداء!