حسين بن حمزة
في رواية «رماد الحياة» (منشورات وليدوف)، وهي السادسة له، يكتب الروائي التونسي حسونة المصباحي ما يشبه الرحلة. إنها رحلة في أمكنة وأزمنة متعددة، ورحلة البطل ياسين الذي يتقنَّع به المؤلف ليروي شذرات من سيرة شخصية. كثيراً ما كتب المصباحي تجاربه المعيوشة واستثمر سيرته في الرواية. هناك دائماً تجربة ما تتحرك تحت نصوصه. هذا ما فعله منذ مجموعته القصصية الأولى «حكاية جنون ابنة عمي هنية» التي أشهرت اسمه في الوسط الأدبي، وواصل ذلك في معظم أعماله اللاحقة مثل «وداعاً روزالي» و«هلوسات ترشيش» و«الآخرون» وغيرها. السيرة نفسها تنقسم بحدة إلى حياة سابقة في وطنه الأم، وإلى حياة ثانية قضاها في المنفى الأوروبي، وفي ميونيخ تحديداً، التي عاش فيها أكثر من عقدين. هذا الانقسام لا يغيب عن العوالم التي كتبها المصباحي في رواياته. أبطاله غالباً ما يكونون موزعين بين أمكنة أولى تبدو وادعة ومطمئنة لمجرد أنها باتت ماضياً، وبين أمكنة جديدة تفرض قسوتها وفظاظتها على الكائن الغريب.
الرواية الجديدة لا تشذُّ عن هذا التوجه، إذ يكتب المصباحي جانباً من سيرة ياسين الكاتب، الذي بدأ وعيه في قرية العلا غرب تونس، ثم قادته الموهبة إلى العاصمة، التي سرعان ما ضاق مشهدها الثقافي به، فيمَّم شطر الشمال الأوروبي. الرواية تسير وفق خطين سرديين، الأول تاريخي وشبه أسطوري تُستعاد فيه محطات من تاريخ تونس وتُربط بمحطات تخص قبيلة البطل وعائلته. والثاني راهن ومعاصر مشغول بتتبع تفاصيل من حياة البطل في المنفى. ينفصل ياسين عن زوجته الألمانية التي تنصحه بالعثور على نفسه مجدداً في المكان الأول. البطل يعاني من عسرٍ في الكتابة. الكتابة نفسها هي البطل الخفي للرواية. يفتش ياسين عن الدعة والطمأنينة لعله يعثر على المعادلة التي ستفجِّر إلهامه من جديد. الهجرة إلى أوروبا كانت بحثاً عن اللغة، والعودة هي بحث معاكس للعثور عليها فـ«الأوطان مهما قست على الفنان فهي دائماً مصدر إبداعه» تقول له زوجته ماريان.
روايته تحكي رحلة العثور على الذات