وبحسب جونسون، فقد شهدت إنكلترا وحدها ارتفاعاً في عدد حالات "كوفيد" في المستشفيات بمقدار الثلث تقريباً في الأسبوع الماضي، ليصل إلى ما يقرب من 27,000 حالة. وهذا العدد أعلى بنسبة 40 في المئة من الذروة الأولى في نيسان/ أبريل العام الماضي. وقد سُجّلت أكثر من 80،000 حالة إيجابية خلال يوم واحد بعد عطلة أعياد الميلاد ــــ وهو رقم غير مسبوق ــــ كما ارتفع عدد الوفيات بنسبة 20 في المئة خلال الأسبوع الماضي، "وسوف ترتفع" ــــ بحسب رئيس الوزراء دائماً ــــ "بأكثر من ذلك، للأسف". ومن وقتها، يتم تحطيم الرقم القياسي للحالات الجديدة على أساس يومي تقريباً، فمنذ ليلة عيد الميلاد توفّي أكثر من 5200 شخص بسبب الوباء. وخلال يوم الاثنين الماضي وحده، تم الإعلان عن 400 حالة وفاة إضافيّة و59 ألف إصابة جديدة بالفيروس. وقد عُلم من مركز الأمن البيولوجي أن ما يزيد على 50 في المئة من الإصابات الجديدة تعزى إلى الفيروس المتحوّر الذي جرى الكشف عنه أخيراً في بريطانيا ويعتقد بأنّه ينتشر أسرع من الفيروس الأصلي بـ 70% على الأقل.
أدّى سوء أداء الحكومة إلى تراجعٍ هو الأسوأ بين الاقتصادات الرئيسة في العالم
ولم تعد هيئة الصحة الوطنية قادرة على التصدي بكفاءة لانتشار الوباء، بعد عقد من سعي حكومات اليمين البريطاني المتعاقبة إلى خصخصتها وتقليص نفقاتها وتفكيكها. وتعاني الخدمة من عدم توفر عدد كاف من سيارات الإسعاف، ونقص في الكوادر المؤهلة للتعامل مع الوباء وانقطاعات متلاحقة في فحوصات المرض. وإذا لم يتم خفض مستوى الحالات الجديدة بشكل ملموس خلال ثلاثة أسابيع، فإن القطاع الطبي سيبدأ في تطبيق نظام أولويات على النسق اللومباردي ــــ إيطاليا ــــ بحيث تترك بعض فئات المرضى لتواجه قدرها المحتّم لمصلحة إنقاذ فئات أخرى.
في غضون ذلك، أدى سوء أداء الحكومة ــــ التي تمتلك الصلاحيّة لحكم البلاد حتى موعد الانتخابات العامة المقبلة في عام 2024 ــــ سواء في ملف «كوفيد 19» أو خطط التعامل مع انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، إلى تراجع يعدّ الأسوأ بين الاقتصادات الرئيسة في العالم. وفي الربع الثاني من هذا العام، تقلص الاقتصاد البريطانى بنسبة 20.4 فى المئة، وهو أسوأ انخفاض حتى الآن منذ بدء تسجيل الأرقام القياسية عام 1955. ويراكم سوء أداء الحكومة الحاليّة إرث حكومة مارغريت تاتشر النيوليبراليّة في الثمانينيات التي فككت القطاعات التقليديّة للاقتصاد لمصلحة القطاعات المالية والاستثمار والخدمات. ومع الإغلاق، واجه قطاع الخدمات ــــ الذي يوظف أعداداً هائلة من المواطنين ــــ خسائر ضخمة، ترافقت مع نموّ الديون وتراجع إنفاق الأسر بسبب خسارة العديد من العمال لوظائفهم. وقد تعمّدت الحكومة الحاليّة تأخير الإغلاق سعياً للحصول على ميزة تنافسية، لكن ذلك أتى بنتائج عكسية مذهلة لناحية تفشي الفيروس وتردّي الأوضاع الاقتصادية في وقت واحد، فتصاعدت نسب البطالة والتشرد والفقر وجوع الأطفال إلى مستويات دفعت الأمم المتحدة إلى التدخّل. ونشرت صحف لندن، أمس، أنّ 30 ألف امرأة بريطانيّة على الأقل اضطررن إلى تقديم خدمات جنسيّة إلى مالكي العقارات بعد فشلهنّ في دفع الإيجارات في وقتها، فيما دُفعت مئات آلاف النساء إلى سوق الدعارة، بشكل كلّي أو جزئي، لتدبير معاشهنّ منذ الكشف عن الوباء بداية العام الماضي. وعلى الرغم من أن بريطانيا تمتلك الآن لقاحاً محليّاً واعداً للتعامل مع الفيروس، وكذلك إمدادات من اللقاحين الأميركي والألماني، إلا أن الحكومة تراهن على كسب سباق غير مضمون لتلقيح أكبر عدد من المواطنين، قبل قضاء الفيروس على عشرات الآلاف من فئات المواطنين الأضعف مقاومة للمرض.