يبدو واضحاً أن حال خصوم المستقبل في عكار أسوأ من حاله
يشغل موقف المملكة بال الجميع؛ عين المستقبليين عليها طمعاً برواتبهم وعودة الخدمات. عين الخصوم السابقين عليها أملاً بإلزام الحريري باستيعاب جميع مكونات الطائفة، وعين الخصوم الجدد عليها لمعرفتهم بأن خطوط إمدادهم تمر جميعها بالرياض. ولا شك، يضيف أحد النواب الشماليين، أن عين حزب الله وحلفائه على المملكة أيضاً لمعرفة إن كان قد آن أوان طي الصفحة الحريرية بالكامل أو من شأن ذلك استفزاز المملكة مجدداً. فالحريري خيب آمال السعودية، يتابع المصدر نفسه، لكن من يستثمر في مشروع لا يعمد إلى تدميره حين يعجز عن جني الأرباح منه. وبالانتقال من منزل سياسي إلى آخر، يبدو واضحاً أن لا أحد يشك اليوم بأن المملكة تعيد النظر بخطة عملها السابقة في لبنان، لكن لا أحد يصدق أنها ستنسحب بالكامل، وخصوصاً أنها خسرت الدور الكبير الذي أعطي لها قبل بضع سنوات في الأزمتين السورية والعراقية وبات اسمها يرتبط فقط بتمويل المجموعات التكفيرية أولاً، وثانياً فشلها الأخلاقيّ والعسكريّ في اليمن، علماً بأن حالة الانتظار تنهك المستثمرين الذين هدّت فوائد القروض المصرفية قواهم. لكن المقربين من الحريري يجزمون أنه أكثر من أنهكه الانتظار المرتبط بمستقبله الماليّ والسياسيّ ومستقبل آلاف العائلات المرتبطة به. ومن يتحدثون عن "لبننة الحل" و"استقلالية الحريري" وغيره لا يفهمون شيئاً من شيء، يقول أحد نواب بيروت الحريريين. فأساس النفوذ السعودي في البلد يرتبط بمجموعة عقود طويلة الأمد بين المقاولين اللبنانيين والإدارات الرسمية السعودية. وحسم الحريري قرار المضي قدماً في حياته السياسية بمعزل عن التوجيهات السعودية يعني إنهاءه بنفسه كل عقود العمل بين المملكة وشركاته وخسارته الديون المترتبة على المملكة في ذمته، علماً بأن الحريري حرص عند تقاسم إرث والده مع أشقائه على الفوز بتركة والده السعودية وإعطائهم معظم الشركات العاملة في عواصم أخرى. وهو استكشف خلال الأشهر القليلة الماضية ما يمكنه فعله سواء في قطر أو تونس أو تركيا أو الأردن وعاد خائباً. ويرى النائب البيروتيّ وجوب التذكير بأن رئاسة الحكومة هي مجرد وسيلة حريرية لتوسعة الأعمال، لا غاية في حد ذاتها، وعليه فإن الأعمال تأتي أولاً سواء في السعودية أو في حمص أو في طهران ورئاسة الحكومة ثانياً. ولا بدّ هنا من التوضيح أن أرباح الصفقات المحلية المختلفة وجميع تلزيمات الوزارات اللبنانية التي يسعى البعض إلى ترغيب الحريري بواسطتها لا تتجاوز أرباح مشروع كبير واحد تديره "سعودي أوجيه" في المملكة.
بالعودة إلى عكار، ثمة مشكلة حريرية لكن لا أزمة أو كارثة. فالتوزيع الاستخباري الذكي للأدوار بين الحريري وريفي وضاهر ضبط إيقاع الجمهور، فما كاد أحدهم يخرج من الباب الحريريّ حتى يعود إلى الصالون نفسه من شباك ريفي أو غيره. استبدل المستقبل مسؤولين لم يسمع أحد بأسمائهم من قبل بمسؤولين جدد لم يسمع أحد بأسمائهم أيضاً، علماً بأن الانتقال من ضفة الحريري إلى ضفة ريفي أو ضاهر لا يعني شيئاً طالماً أن الحريري وريفي وجهان لمشروع وهابيّ واحد، وإكمال مسرحيتهما بلقاء مصارحة ومصالحة وارد في أي لحظة. من كان يفترض به الاستفادة من التراجع الحريريّ لم يستفد، وقد حرصت المملكة عبر حمايتها خطوط إمداد ريفي وشركائه في المناطق على عدم خسارتها شيئاً، مهما كانت مدة معاقبتها للحريري.