شارك بشار خليفة عام 2020 في افتتاح المهرجان، ومنذ ذلك الوقت أبدى اهتمامه بالساحة المحلية. لجأ إليه منظمو «بيروت أند بيوند» لإعداد الألبوم الثاني، معتمدين على خبرته في المجال وشركة الإنتاج «بلكون» التي يملكها في فرنسا. يستعيد خليفة مشاركته الأولى مع المهرجان، قائلاً لنا: «أقيمت الحفلة في «زقاق» وكانت من أهم ذكرياتي، إذ كان جمهور بيروت فيها. عندما ينجح الموسيقي في إقامة حفلة في بيروت، يشعر أنه أمر استثنائي وأشبه بإنجاز. كنا في جولة آنذاك، ومررنا ببيروت ليومين فقط. ترافقني بيروت دائماً في كل حفلاتي وعلى كل المسارح. هذه المرة كانت معي فعلاً. وتعرّفت إلى المهرجان وإلى الموسيقيين، وشعرت بأنّ هناك نشاطاً كبيراً. عشته مجدداً مع موسيقيّي الألبوم السنة الماضية عندما سجّلناه، وأحسست أن هذا النشاط يمثل بيروت فنياً».
أسس خليفة «بلكون» قبل نحو ثماني سنوات، في منتصف مشواره الفني بعدما شعر بالحاجة كموسيقي إلى أن يكون مستقلاً وأن يطلق أعماله عبر شركته الخاصة. يقرّ: «لم أكن يوماً مرتاحاً في مجال الموسيقى. كنت أريد الحرية المطلقة في كل القرارات التي أتخذها. أسّستها لإطلاق أعمالي ولكي أفتح المجال لغيري وأعطيهم الحرية».
كان يُفترض أن تُنظّم النسخة العاشرة من «بيروت أند بيوند» هذا العام، وأن يفتتح الموسيقيون العشرة المشاركون في الألبوم الحدث. لكن سمعان توضح: «في ظلّ الحرب والإبادة في غزة والاعتداءات المتزايدة في لبنان، شعرنا أن الوقت غير مناسب لإقامة المهرجان بالشكل العادي. قد تكون مجازفة، وخصوصاً أننا نستضيف أشخاصاً من الخارج وأن البرمجة ليست محلية فقط، بل إقليمية. ففي غياب هذين العنصرين، لا يمكننا إقامة المهرجان. لذا ألغيناه هذه المرة ولكن في الوقت عينه، قررنا أن ننظّم حفلة لإطلاق الألبوم».
من أجل اختيار المشاركين في الألبوم، كانت هناك سلسلة من الشروط والمعايير أهمها أن يكون الفنانون مقيمين في لبنان. كما يحرص المهرجان على الحفاظ على التوازن بين الجنسين. أما من الناحية الفنية، فكان التركيز على التنوّع في الأنماط تماماً كما في النسخة الأولى، وإن كان ذلك يعني المجازفة في اختيار موسيقيين يسجّلون للمرة الأولى. تأكيداً على ذلك، تقول سمعان: «رغبنا في اكتشافهم ومنحهم فرصة للاستمرار إن أعجبتهم التجربة. مثلاً، شاركت فرقة «تيلت» في الألبوم وهي تضمّ موسيقيين معروفين ذوي خبرة عالية في المجال، ولكن هذا المشروع جديد بالنسبة إليهم. أما فرقة «أوفيد» فتُقيم أيضاً الكثير من الحفلات لكنها لم تطلق ألبوماً بعد».
هكذا اختير عشرة فنانين أو فرق من أصل ثمانين، ولكل منهم قصة خاصة كما يقول خليفة: «دوري كان الحديث عن الأغنية أو الصوت كلما شعر أحدهم بالحاجة إلى ذلك. كما سجّلت على البيانو في بعض الأحيان عندما دعت الحاجة. كنت على السمع فقط ولم أتدخّل إلا إذا طُلب منّي ذلك. كان الهدف الموسيقي أن يسجّلوا أغنية في نهار واحد. وشعرت بأهمية أن أكون بقرب الموسيقيين اللبنانيين، وخصوصاً أن العاملين في هذا المجال لا يُمنَحون الكثير من الأهمية في البلد». وبالحديث أكثر عن دوره ومساهمته في العمل، يضيف: «أعطيت نصائح ورأيي إن سألوني. فالفنان يشك في الأمور ولديه أسئلة. يحاول الاعتماد على مهندس صوت وموسيقيّ. ويركّب الأغنية أو العمل بهذه الأسئلة. الشك مهم. كنت في الاستديو وأتيت مع مهندس الصوت الذي أعمل معه منذ 15 عاماً في فرنسا وكان يتواصل معهم تقنياً. فالتسجيل لا يقتصر على الأغنية فقط، بل على الجو وكيفية التسجيل في الاستديو. هناك فرق كانت معتادة على ذلك وأخرى لا. وكان للجميع الوقت والظرف نفسه في الاستديو. وهذا ما أعطى وحدة للعمل والقصة الذي نخبرها».
من ناحية أخرى، يرى خليفة أن الفرق والموسيقيين الذين اختيروا «ملتزمون في فنهم. الموسيقى أساسية في حياتهم. وهي طريقة للتواصل بينهم وبين الناس. وهذا أهم ما في الأمر. كما أنني فوجئت إيجابياً بالجو. فالكل يعرفون بعضهم تقريباً. ويعزفون معاً ويلتقون في مشاريع عدة. هناك تضامن فنّي موسيقي مهم جداً ونادر. وهذا ما يجب أن نحافظ عليه ونكمله. عندما يركّز المرء كثيراً على نفسه ويقفل الأبواب، يفقد الفن من معناه».
التعاون بين «بيروت أند بيوند» والموسيقيين لا يقتصر على الحدث فقط. فكثيراً ما يثمر هذا اللقاء الأول لاحقاً ويمنح هؤلاء الموسيقيين الجدد فرصاً مستقبلية. فقد ساعد المهرجان مثلاً فرقة «صنم» هذا العام على الذهاب إلى مهرجان «بابل ميوزك أكس بي» في فرنسا، حيث كانت سمعان عضواً في لجنة الحكم. كما لا زال التعاون قائماً بين «بيروت أند بيوند» ومهرجان «أوسلو وورلد» في تبادل الفنانين ويقدّم المهرجان أي فرصة دعم يمكن أن تقرّب الفنانين للعمل مع شركة إنتاج.
تشارك في الألبوم المتخصصتان في الكلاسيكي والشرقي سلوى جرادات وأمل كعوش من فلسطين
في سنته العاشرة، لا زال «بيروت أند بيوند» يواجه تحديات كثيرة، تختلف من دورة إلى أخرى بحسب الظروف. مستوى التحديات بحسب سمعان يبقى نفسه، ولكنها تتنوع وتختلف وفي كل مرّة يكون على المنظمين إيجاد الطرق لتخطّيها: «رغم أننا لسنا قادرين على إقامة النسخة الجديدة للمهرجان، فنحن بحاجة إلى العمل على بنية المهرجان بعد عشر سنوات. لدينا دعم من السفارة النروجية. وفي غياب المهرجان هذا العام، يجري العمل على المؤسسة من داخلها وعلى سبل تطويرها. تقضي خطتنا بتنظيم نسخة جديدة، ولكن الأهم أن تنتهي الحرب والإبادة. رغبنا في إنجاز نسخة تركّز على فلسطين وفنانين من هناك وقد نفعل ذلك ضمن نسخة مصغّرة».
من الأسماء التي يضمّها الألبوم المتخصصتان في الكلاسيكي والشرقي سلوى جرادات وأمل كعوش من فلسطين، وكذلك فرقة «تيلت» التي تقدّم الموسيقى الشرقية وترتجل. كما للراب مكانته أيضاً في الألبوم مع «وايفسيف». ومن الأنماط التي يتضمنها العمل أيضاً البوب مع وايل سولان، والموسيقى الإلكترونية ومزيج من التأثيرات مع فرقة «أوفيد». الفنانون العشرة سيجمتعون مساء الأحد إذاً في «كيد» حيث سيقدم كل منهم عرضاً تبلغ مدته 15 دقيقة، بطريقة ديناميكية، إذ أُعد مسرحان للمناسبة، تفادياً للحظات الفراغ بين فنان وآخر خلال تغيير الآلات والمعدات على المسرح.
* «عشر سنوات من «بيروت أند بيوند»»: بعد غدٍ الأحد ــــــ KED (الكرنتينا ـ بيروت) ـ للاستعلام 71/768784