عوامل كثيرة تضامنت لتزيد من الضغط على الدولة
فقدان الثقة، في جانب آخر منه، تسبّبت فيه عودة المناطق إلى سيطرة الدولة. هذه العودة، وعلى عكس المتوقع لدى كثيرين بأن تُحدث فرقاً وتنعكس إيجاباً، جاءت ضاغطة في الجانب الاقتصادي، من دون أن تكون للدولة يد في ذلك أو قدرة على التدخل. فالناس، الذين أنكروا ذواتهم طوال سنوات الحرب، و«وقفوا على ظلهم» كي تبقى الدولة واقفة، وتحمّلوا الظروف الأمنية القاسية، وغضّوا الطرف عن قسوة المعيشة، اتكأوا في ذلك كله على فكرة واضحة هي أن «الدولة مشغولة الآن بمحاربة الإرهاب». اليوم، وقد بدأ الإرهاب يزول وتنخفض وتيرته مع عودة المناطق (باستثناء إدلب ومحيطها وشرق الفرات وريف حلب الشمالي)، عاد الناس ليتساءلوا ويطلبوا تفسيراً للتناقض الحاصل: لماذا تستمر الأزمات المعيشية الخانقة بالظهور ما دام الإرهاب يتراجع؟ وكيف تستعيد الدولة مزيداً من المناطق لكنها تخسر في المقابل مزيداً من ثقة الناس؟ وهو سؤال مُحق ومحيّر في الوقت نفسه.
عندما خرجت مناطق واسعة عن سيطرة الدولة قبل سنوات من الآن، قلّص ذلك من حجم إنفاقها عليها. كما أن هجرة ملايين السوريين ولجوءهم إلى الدول المجاورة، خفّفا كذلك من العبء الملقى على عاتقها لناحية استمرارها في دفع رواتب هؤلاء والإنفاق على خدماتهم. في المقابل، لجأت الدولة، نتيجة سوء الوضع خلال الأزمة، إلى إيقاف الإنفاق الاستثماري، واستعمال الاحتياطي العام، والحصول على تسهيلات ائتمانية من الحلفاء. هكذا استطاعت أن تُحافظ على الحياة في المناطق التي بقيت تحت سيطرتها. أمّا وقد استعادت سيطرتها على المناطق التي خسرتها، فإن ذلك زاد من العبء المُلقى على كاهلها، من دون أن تكون هناك في المقابل أي موارد جديدة يمكن أن تستخدمها لخدمة تلك المناطق التي شهد بعضها دماراً كبيراً، فكان تأثير عودتها ضاغطاً بدل أن يكون مساعداً. خدمت عودة هذه المناطق معنويات الناس وأشعرتهم بالأمان، لكنها لم تساعد في تحسين وضعهم المعيشي.
تضاف إلى ذلك عوامل كثيرة تضامنت لتزيد من الضغط على الدولة، منها توقف الدعم الإغاثي الذي كان يُقدم للمناطق قبل أن تستعيدها الدولة، ما تسبّب في تقلّص الموارد وتقلّص عرض الدولار في الأسواق وتالياً ارتفاع سعره. كما أن تشديد العقوبات على إيران أخيراً أفقدها القدرة على تقديم الدعم لسوريا بالوتيرة السابقة نفسها. أما ما بقي من حقيقة غائبة، فهو يتعلق بصراعات الدول على الأرض السورية ومحاولة فرض شروطها على صياغة مستقبل سوريا، خصوصاً لناحية تشكيل الدستور.