جلسة الاستئناف الأخيرة في قضية تشهير «الأخبار» في 30 أيار 2013 بقضاة رضخوا للضغوط وحاولوا تبرئة أولاد نافذين متورطين، لم تكن هادئة امس. الأجواء فعلاً متوترة، وقد بدا ذلك واضحاً خلال مرافعة كل من ممثل النيابة العامة والمحامي حسين جابر، وكيل القاضية (المستأنف ضدها) رندا يقظان. رفعت القاضية يقظان سقف طلباتها، لا يعجبها التعويض الذي حكمت به محكمة المطبوعات ضد «الأخبار» والزميل محمد نزال (15 مليون ليرة).
التعويض المطلوب هو مليون دولار من أجل «ضبط الصحافة الفلتانة التي تتكل على قانون المطبوعات الخالي من عقوبة الحبس كي يكتب الصحافيون ما يريدون. إذا استمررنا هكذا وبقيت التعويضات منخفضة عندها يمكن لأي كان أن يهين القضاة»، هذا ما قاله حرفياً وكيل يقظان، لكن ماذا عن طلب «الأخبار» إبراز نسخة عن الحكمين الصادرين عن المجلس التأديبي في درجتيه الأولى والعليا اللذين نتج عنهما تخفيض درجتين من رتبة القاضية يقظان؟ يرد المحامي جابر «والله لو يُسمح لي قانوناً بأن أتحدث عمّا جرى في المجلس التأديبي لبحت بأن القرار الذي صدر لا علاقة له إطلاقاً بالقضية موضوع المقال، لكن لا يُسمح بنشر ما يجري في المجلس التأديبي نظراً للسرية المطلقة». يصر على أن موضوع الدعوى هو إهانة وتشهير وذم، وما التوسع بالتحقيقات سوى مماطلة. نعم، موضوع الدعوى هو تشهير لكن بسبب استغلال القاضية موقعها لتبرئة أولاد نافذين في قضية فساد قضائي وأمني يتصل بشبكة ترويج مخدرات بين طلاب الجامعات، اذ تنص المادة 387 من قانون العقوبات على تبرئة «الظنين إذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته».
وكانت «الاخبار» قد نشرت تقريرا بعنوان «قضاة الكيف وضباطه» كشفت فيه عن استجابة القاضية يقظان لضغوط نافذين من اجل عدم ملاحقة ابن احدهم المشتبه بضلوعه في هذه الشبكة. على اثر نشر هذا التقرير قرر مجلس تأديب القضاة خفض 4 درجات (ثم خفضها الى درجتين) لكل من القاضية في النيابة العامة رندا يقظان، وكذلك لقاضي التحقيق جعفر قبيسي. الثاني استقال من وظيفته واقرّ علنا بأن ما نشرته «الاخبار» ليس كاذبا فيما ذهبت يقظان الى محكمة المطبوعات للادعاء على «الاخبار» بجرم نشر اخبار كاذبة والذم بالمدعية.
حاول ممثل النيابة العامة امس مساندة المستأنف عليها، لكنه اعترف عن غير قصد بما سعت «الاخبار» الى اثباته للمحكمة عبر طلب ابراز حكمي المجلس التأديبي لاثبات صحة ما نشرته، قال انه «يُستدل من حكم المطبوعات أن المحكمة رأت ان ما أقدمت عليه القاضية يقظان كان من قبيل الخطأ غير المقصود، وبالتالي ما ينطبق عليها لا ينطبق بالضرورة على الرئيس المستقيل القاضي جعفر قبيسي. وبما أن ما تضمنه المقال كان موجها مباشرة الى عمل مقصود أقدمت عليه الرئيسة يقظان، فإنه من المؤكد أن ما توصل اليه قرار المجلس التأديبي لم يؤاخذها على عمل مقصود».
أصر ممثل النيابة العامة على موقفه: «لا يبرئ الظنين من مسؤولية الذم»
هكذا اذاً يقرّ ممثل النيابة العامة أن الخطأ حصل، وبعيداً عمّا إذا كان مقصوداً أم غير مقصود فهناك قاضية أخطأت وأُحيلت الى المجلس التأديبي الذي أنزل بحقها عقوبة قاسية بالنسبة لسلم العقوبات، إذ لا نتحدث هنا عن لوم او تنبيه انما عن تخفيض درجتين. بعد ذلك اصر ممثل النيابة العامة على موقفه: «لا يبرئ الظنين من مسؤولية الذم». إذا كان قرارا المجلس التأديبي لا علاقة لهما بالقضية فلماذا الإصرار من قبل الطرف المقابل على عدم كشفهما؟ ذكّرت وكيلة «الاخبار» المحامية رنا صاغية «أنه بعد 4 ايام على نشر المقال خرق وزير العدل (حينها) شكيب قرطباوي سرية المعلومات بسبب خطورة القضية، معلناً أن التفتيش القضائي انكب بسرعة كبيرة وبشمولية على التحقيق في ما أثير. وبنتيجة هذا التحقيق الشامل، قررت هيئة التفتيش القضائي إحالة قاضيين على المجلس التأديبي، مع اقتراح بتوقيف أحدهما عن العمل».
النظرية الجديدة التي خلص اليها ممثل النيابة العامة هي وجوب أن تأخذ المحكمة بالاعتبار عدم مهنية الصحافي حين يتولّى تقويم العمل القضائي. يُطرح سؤال جدي هنا: من يراقب عمل القضاء في هذه الحالة؟ الإجابة عن هذا السؤال تحددها المحكمة في جلسة إصدار الحكم في 26 آذار المقبل، فإما أن تُعطى «الاخبار» فرصة إثبات الوقائع المنشورة ودحض نظرية ممثل النيابة العامة تكريسا لحرية الصحافة ودورها، وإما ان يعلن القانون ويعاقب كاشفي الفساد.