القاهرة | قبل سنوات، أثناء أزمة «الرسوم الدنماركية المسيئة للإسلام»، رسم فنان أوروبي لوحة كاريكاتور تمثل «رجلاً مسلماً»، أي ملتحياً غاضباً بجلباب قصير، يلوّح بسيف ضخم، صارخاً: «سأقطع رقبة من يتهم المسلمين بالإرهاب»! الكاريكاتور كان ردة فعل على ردة فعل المسلمين على «الرسوم الدنماركية» التي تضمنت مهاجمة عدد من الكنائس في بعض أنحاء العالم الإسلامي، وأعمال عنف ضد أوروبيين في تلك البلدان، وصلت إلى القتل في بعض الأحيان.
ويمكن القول إنّه لا جديد تحت الشمس. ها هي الأفعال ــ أو ردود الأفعال ــ ذاتها، قد بدأ يشهدها العالم الإسلامي احتجاجاً على الفيلم الأميركي «براءة المسلمين» الذي تسربت منه إلى شبكة الانترنت لقطات مدبلجة بالعامية المصرية، ما ساهم في الترويج لبُعد جديد للأزمة يفترض ضلوع «أقباط المهجر» فيها. وهو وصف يطلق على المسيحيين المصريين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا. لكن سرعان ما بدأت تتكشف أبعاد أخرى على يد الصحافة العالمية. نشرت «وول ستريت جورنال» الأميركية و«معاريف» الإسرائيلية أنّ مخرج الفيلم ومؤلفه هو الاسرائيلي الأميركي سام بازيل، وقد موّل العمل بتبرعات من يهود أميركيين (بكلفة وصلت إلى خمسة ملايين دولار وبدعم من القس الأميركي الأصولي تيري جونز الذي دعا إلى حرق القرآن عام 2010)، وقد عُرض الفيلم قبل شهرين في ولاية كاليفورنيا من دون ضجة ومن دون أن ينتبه إليه العالم الإسلامي، ويلاحظ هنا أن شيئاً كهذا تكرر قبلاً مع الرسوم الدنماركية التي انتبه إليها المسلمون بعد عامين كاملين من نشرها للمرة الأولى.
تفيد المعلومات أيضاً بأنّ بازيل «المخرج» لا علاقة له بالسينما، بل هو مجرد رجل أعمال يعمل في مجال الاستثمار العقاري، ولا يعود ذلك مستغرباً عند الاطلاع على أي مشهد من الشريط الذي يصعب تصنيفه ضمن نطاق فن السينما، أو أي فن آخر. يمكن وصف الفيلم (ساعتان)، أو اللقطات الـ13 المتسربة منه عبر يوتيوب التي شاهدها الجمهور الغاضب، بأنه محض شريط استفزازي بالغ البذاءة لفظياً وبصرياً، يتعمّد السخرية من رسول الإسلام عبر استعراض حياته وسيرته بوضعها في سياق عنفي وحشي وجنسي شامل. وهو باختصار أشبه بتجسيد درامي للشتائم التي تشهدها منتديات الصراع المسيحي الإسلامي. بعضهم دعا إلى التفكير في مغزى التوقيت الذي تفجرت فيه أزمة الفيلم، قبل يومين فقط من ذكرى أحداث 11 أيلول (سبتمبر). وسرعان ما حفلت المنتديات الإسلامية على الشبكة بالتنديد بالفيلم، ولاحظ الناشط وائل غنيم أنّ موقع «المرصد الإسلامي» كان السبب الأول في سرعة انتشار الشريط، إذ شاهده عبره أكثر من 300 ألف مستخدم، بينما لم يكن عدد المشاهدين في القناة الأصلية على يوتيوب قد تجاوز مئات! دعا غنيم إلى التروي وكذلك فعل بعض النشطاء والكتاب الآخرين، لكن السيف كان قد غادر غمده. اختفت في لحظة كل الأزمات التي تغرق فيها مصر، وتوجه الآلاف نحو السفارة الأميركية لأجل «الرد على الإساءة» وقد تمثل ذلك في اعتلاء الأسوار، ورفع أعلام القاعدة وكتابة اسم بن لادن على الواجهة! مرة أخرى، يتم الرد على الاتهام بتأكيده.
وتنظم نقابة الممثلين المصريين اليوم الجمعة وقفة احتجاجية بالتعاون مع النقابات الفنية للتنديد بالفيلم.
ربما بسبب التأخر التكنولوجي، وربما بسبب الاستبداد الطويل في العالم العربي/ الإسلامي، ما زالت الغالبية غير قادرة على تفهّم أنّها لا تستطيع أن «تمنع» أي مادة بصرية أو مكتوبة، وأنها لا تستطيع أن تجبر نظاماً غربياً على إغلاق صحيفة أو اعتقال مؤلف. هذه الإجراءات التي انتهت في معظم العالم لا تزال سارية في «بلاد المسلمين»، لذا فهم يحوّلون غضبهم من المؤلفين إلى الحكومات الغربية التي «لا تردعهم كما ينبغي».
4 تعليق
التعليقات
-
الرموز والأمّة الجريحة (2)أخيرا، لا بدّ من ملاحظة تستدعيها بعض الأفكار الناقدة -بإخلاص- ردّ الفعل العربيّ والإسلاميّ الّذي انفعل اليوم متَّهَما (حسب هذه الأفكار الناقدة بفوقيّة وإن لم تقصد) بأنّه لم ينفعل كما يجب لأجل رمز مهان من رموز الأمّة هو المسجد الأقصى: ربّما ينسى أصحاب هذا النقد نقطة دقيقة في التحليل: يَقِرّ في لاوعي العربيّ أو المسلم أنّ مهانة "الأقصى" جزء لا يتجزّأ من مهانة وطن سليب ضاع بواسطة أكبر مؤامرة في التاريخ، وبالتالي فإنّ الانتصار له يتطلّب حربا كاملة لا مجرّد نزول عابر إلى الشوارع! أمّا الرمز الغائب (أيّ غير المتجسّد في بنية محسوسة مختصرة) وهو هنا "فكرة الإسلام أو صورة نبيّه" فقد يُعبَّر عن الانتصار له عندما يُعتدى عليه من قبل "أفراد" باحتجاج وتظاهر وغليان يعرف الجميع أنّه ردّ فعل لا فعلٌ مؤسّس. أن تُدافع عن صورة رمزيّة قد يتطلّب منك مشاركة رمزيّة، أمّا أن تنتصر لأرض سليبة (برموزها) فيتطلّب حربا، فمن يُعدّ للحرب أيّها السادة المنتقدون؟!
-
الرموز والأمّة الجريحةإذن قُتل سفير الدولة العظمى في ليبيا! إذن ديس الحرم الحصين، وعادت أمريكا -في أكثر من بقعة من بقاع التغيير الملتبس على التوصيف- مرّة أخرى في مرمى هجمات "سبتمبريّة"! قد يكون في المشهد -ظاهريّا- ما يشفي الغليل، ولكنّ الأسئلة لا تلبث أن تتوالد مستدعية فكر المؤامرة وفكرة شجب (فكر المؤامرة): - ما مغزى أن يخرج أمريكيّ صهيونيّ وأمريكيّ "قبطيّ" يجاهر بهواه الإسرائيليّ لينتجا بذاءة رخيصة (أُنتج مثلها سابقا وسوف يُنتج مستقبلا) في هذه الأيّام بالذات، وفي الخلفيّة رجل يدّعي تديّنا سبق له أن أهان المسلمين في أعزّ رموزهم؟ - من يحقّ له أن يُطالب الجماهير الّتي ترى نفسها أمّة جريحة الكرامة لعقود وسنوات تزداد حساسيّة تجاه رموز هويّتها فيما يبدو كقانون طبيعيّ .. من يحقّ له مطالبتها بأن "تتعقّل" و"تنضبط" و"تميّز"؟! - كيف يُتصوَّر أنّ جهازا واسع الحيلة والنفوذ والاطّلاع مثل المخابرات الأمريكيّة لم يكن بإمكانه معرفة ما يمكن أن يحدث في حالة مثل هذه، وأن يسمح باقتحام قلعة حصينة بناءً ودفاعا كالسفارة الأمريكيّة في بنغازي (حسب بعض التحليلات)؟ - من يقطف ثمار الحدث المتدحرج: توابع لأنظمة غابت عن سدّة السلطة فجاءت "تشاغب" على من تولّى بعدها (بغضّ النظر عن تقييم من جاء بعدُ)، أم اللاعب الأكبر جاء ليمثّل دور الضحيّة في مواجهة "رعاع وظلاميّين وحاجرين على حرّيّة الفكر والتعبير!"، أو ليفتتح باباً جديدا للفتنة بين أتباع دين وآخر ، أم أمّة ملّت خنوع المستضعف فرفعت الصوت بالاحتجاج ولو انفلت الغضب من عقاله؟! يتبع
-
تيري جونيز وبايزل والمجهول:الحماقة التي اعيت من يداويهاتريد يا مجهول ان تدافع عن تيري جونز؟ حتى ولو لم يكن له علاقة بالفيلم فهل فعلا يستحق جونز ان يدافع عنه احد؟ نيويورك تايمز تقول ان تيري جونز هو من المروجين للفيلم. اما عن الاقباط فان الفيلم ظهر وعرض ولم يلحظه احد حتى قرر بعض الاخوة الاقباط في اميركا ان يترجموا الاربعة عشرة دقيقة الموجودة من الفيلم للعربية وان يضعوا النسخة المترجمة على يوتيوب وذلك ايضا حسب تحقيق نيويورك تايمز في اصل الفيلم وكيف اوصل الى مقتل سفير اميركي ومعه موظفين في السفارة في ليبيا. وحتى الان لا يبدو ان هناك اكثر من اربع عشرة دقيقة من الفيلم الذي وصفه صحافية بالقول انه فيلم مبتدئين وكأن من صنعه ولد عمره ١٣ سنة ولديه كمية غير محدودة من الذقون المستعارة. مبروك لك يا مجهول ولمن صنع الفيلم ولتيري جونز وللاقباط الاميركان ما اقترفه ايديهم وما تسببه من مقتل اشخاص لا علاقة لهم بالموضوع كالسفير الاميركي في ليبيا ومن معه. فعلا صدق ما قاله الشاعر: لكل داء دواء يستطب به الا الحماقة اعيت من يداويها.
-
تيري جونز صحيح انه دعا الىتيري جونز صحيح انه دعا الى حرق القران.. ولكن ما هو دليلك انه مشارك في هذه البذاءة الجديدة. لا يوجد اي دليل.. مخرج الفيلم قال لجريدة وول ستريت جورنال انه اسرائيلي اميركي وقال ان مئة شخصية يهودية هي التي مولت الفيلم. لم يقل ان مسيحي او قبطي واحد ساهم في تمويل الفيلم ولم يذكر ان للاقباط اي علاقة. عادي جدا ان يشاهد قبطي الفيلم ويقول المسلمين اسوأ من هذا،كما انه عادي جداان يقول مسلم ان المسيحيين يستاهلوا الحرق. لو قال قبطي ما ان الفيلم جيد ويظهر حقيقة الاسلام فان هذا لا يجعله مسؤولا عن الفيلم. هو مسؤول فقط عن كلامة ورايه. الفيلم مسؤول عنه من انتجه وموله. مرة اخرى ما هو دليلكم عن ان تيري جونز شريك في هذه السفالة الجديدة. احس ان الرجل يتم زجه ويتم زج الاقباط فقط لتبديد الاتهام وتوزيعه على اكبر عدد ممكن وبالتالي تخفيف الحمل عن المسؤولين الفعليين وهم مجموعة من العنصريين اليهود.