بعد إغلاقه منذ 9 سنوات، أعلنت الرياض فتْح مطار الريان في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، لرحلة وحيدة من جدّة إلى المكلا. وعلى الرغم من الترحيب بالخطوة السعودية، إلّا أن ثمّة خشية من أن لا تكون جادّة ودائمة، خصوصاً أن المملكة أعلنت، قبل عامَين، فتْح المطار ذاته، إضافة إلى مطار الغيضة في محافظة المهرة، إلّا أن ذلك الإعلان ظلّ حبيس الكلام، فيما بقيت القوّات السعودية والإماراتية، إضافة إلى الأميركية والبريطانية، تتمركز في الموقعَين المذكورَين. وعلى رغم أن جميع مطارات البلاد، باستثناء مطارَي عدن وسيئون، شُلّت حركتها بقرار من «التحالف»، إلّا أن السعودية أعلنت تشريع مطار الريان فقط، من بين 20 مطاراً، منها أربعة دولية والبقيّة محلّية. ولَربّما تؤشّر هذه المحدودية إلى أن الرياض تسعى إلى تحقيق مكاسب في إطار صراعها مع أبو ظبي في حضرموت، وأنها تتطلّع أيضاً إلى ترطيب علاقتها بأبناء المحافظة - التي شهدت أخيراً دعوات تعبئة عسكرية في مواجهة حلفاء الإمارات الذين توغّلوا إلى "الوادي" -، خصوصاً مع تعاظُم الدعوات إلى تشغيل مطار الريان، وذلك لأن السفر عبر ميناء سيئون أو عدن يكلّف "الحضرميين" مشقّة الطريق والوقت.
ومن هنا، يَبقى السؤال حاضراً بقوّة في الأوساط الحضرمية، عمّا إن كانت الخطوة السعودية مؤقّتة ومحصورة الأهداف، خصوصاً أن القوّات الأجنبية تتمركز في المطار، وأن مساحة كبيرة من المرفق عبارة عن ثكنة عسكرية ومعتقلات تديرها أبو ظبي. وبحسب صور الأقمار الصناعية التي نُشرت قبل أشهر، فإن الإمارات استحدثت مواقع جديدة في مطار الريان، فيما تُظهر البيانات المرصودة في القمر الصناعي الأوروبي «sentinel» والمزوّد الدولي لنُظم المعلومات الجغرافية «Esri»، أن الاستحداثات الجديدة بدأت نهاية تموز الماضي ولا تزال مستمرّة. ومن بين تلك الاستحداثات، موقف موصول بمدرج المطار من الجهة الشمالية الشرقية باتّجاه منطقة الشحر، يَبعد عن الموقف القديم نحو 300 متر. ويُضاف إلى ما تَقدّم، أن أبو ظبي حوّلت المنطقة الواقعة ما بين مطار الريان وميناء الضبة إلى منطقة عسكرية يُمنع الاقتراب منها أو الاصطياد فيها.
يُعدّ مطار الريان الشريان الأهمّ لـ«التحالف» لتمويل وجوده في المحافظات الشرقية وسقطرى


وفي ظلّ حالة العسكرة هذه، يبدو إعلان السعودية أقرب إلى فِعل المراوغة منه إلى شيء آخر، علماً أن الحركة العسكرية عبر المطار لا تزال نشطة ما بين سقطرى والمكلا، وما بين السعودية والإمارات والمكلا، إذ يُعدّ "الريان" الشريان الأهمّ لـ«التحالف» لتمويل وجوده في المحافظات الشرقية وسقطرى. والجدير ذكره، هنا أيضاً، أن أبو ظبي أنشأت مطاراً جديداً في المخا في محافظة تعز، وادّعت أنه مدني يستهدف تخفيف الحصار عن المحافظة، إلّا أن الواقع يقول إن المطار عسكري بحت، وإن الهدف منه إيجاد منصّة جديدة للإمارات على سواحل البحر الأحمر، تساعدها في إمداد تحرّكاتها العسكرية في خليج عدن وباب المندب والقرن الأفريقي، إضافة إلى تحركاتها في المحافظات الجنوبية.
وأيّاً تكن حقيقة الخطوة السعودية، فإنها أعادت إلى الأذهان الدمار الذي حلّ بقطاع النقل الجوّي بشكل عام في كلّ مناطق البلاد، حيث دُمّرت المطارات المحلّية والدولية، وبلغت خسائرها، بحسب تقرير لـ"هيئة الطيران المدني"، ما يقارب 7 مليارات دولار، منها ملياران تكلفة تدمير البنية التحتية المتمثّلة في الأصول وممرّات الإقلاع ومدارج الطائرات ومرافق الدعم الجوّي، ومعظم مستلزمات التشغيل. وقد تمّ تهشيم كلّ ذلك بطريقة ممنهجة ومتعمّدة، هدف من خلالها «التحالف» إلى فرْض حصار على البلاد، وتوقيف 34 ألف رحلة في العام، تقلّ ثلاثة ملايين مسافر من اليمن وإليه.
وفي مقابل تحريك صنعاء ملفّ المطارات ضمن مفاوضات الهدنة، ونجاحها في إعادة فتْح مطارها الدولي بشكل محدود، إلّا أن الحكومة الموالية لـ«التحالف» والمكوّنات الأخرى التابعة للرياض وأبو ظبي، لم تطالب أو تتّخذ أيّ خطوات من شأنها إعادة تأهيل وفتْح المطارات الواقعة تحت سيطرة السعودية والإمارات، على رغم تصاعُد الدعوات المجتمعية والشعبية الضاغطة لتشريع المرافق الجوّية في تلك المحافظات.