قبل أن يفتح «المجلس الانتقالي الجنوبي» النار على «المجلس الرئاسي»، ويضع أمامه اشتراطات للعودة إلى عدن، شهدت المحافظات الواقعة تحت سلطة الرياض وأبو ظبي، تطوّرات متسارعة، أفضت إلى أفول قوى، في مقابل صعود قوى أخرى. ففي الوقت الذي يضيّق فيه «التحالف» الخناق على حزب «الإصلاح»، فهو يسمح للمكوّنات الموالية للإمارات بالتمدُّد في أكثر من اتجاه، وخصوصاً منها قوات ما يسمّى «المقاومة الوطنية» التي يقودها طارق صالح. تلك التحولات غيّرت من معادلة الصراع بين المكونات الموالية لـ«التحالف»، ليحتدم أخيراً بين «الانتقالي» من جهة، و«الرئاسي» من جهة أخرى.وبعد سبعة أشهر على تأسيسه في الرياض، يبدو «الرئاسي» وقد وصل إلى حائط مسدود، سواء لجهة الالتئام مجدّداً في عدن، أو في ما يتّصل باتخاذ القرارات المتعلّقة بمشروع الهكيلة والدمج الذي نصّ على توحيد كل الميليشيات في إطار مؤسساته. ليس هذا فحسب، بل إنه فشل حتى في إمرار قرار تعيين محافظي بعض المحافظات وتعيين مديري أمن فيها. وعلى رغم الفشل الذي يخيّم على أدائه منذ تأسيسه، إلّا أن «المجلس الرئاسي» لم يتفكّك رسمياً، وظلّت المكوّنات المنخرطة في تركيبته في مواقعها، وإنْ كانت تكرّر أنه في طريقه إلى الفشل، وهو ما أكده «الإصلاح» إثر مواجهات شبوة مطلع آب الماضي، والتي أفضت إلى تدمير القوات العسكرية التابعة له وإخراجه من المحافظة. لكن المفاجأة لم تكن هنا، بل في موقف «الانتقالي» الذي أعلن فشل «الرئاسي» رسمياً، مهدّداً بالعودة إلى الإدارة الذاتية وحكْم المحافظات الجنوبية منفرداً.
ولعلّ موقف «الانتقالي» أماط اللثام عن حجم الخلاف بين المكوّنات التابعة لـ«المجلس الرئاسي»، وخصوصاً أن الأوّل طالب صراحةً بإجراء هيكلة سريعة للأخير لتلافي الفشل. هذا الموقف الذي عبّر عنه رئيس وحدة شؤون المفاوضات في «الانتقالي»، ناصر الخبجي، تعود أسبابه إلى فشل الاتفاق على توحيد الميليشيات الأمنية والعسكرية المنقسمة بينه وبين الحكومة و«المقاومة الوطنية» و«ألوية العمالقة»، فضلاً عن الخلاف حول قضايا تتعلّق بنقل مقرّ «الصندوق الاجتماعي للتنمية» ومشروع الأشغال العامة، من صنعاء إلى عدن، وتفعيل بعض المؤسسات في المحافظة الجنوبية تحت إشراف «الانتقالي»، كشركات الاتصالات والبنك المركزي. إلى جانب هذه المطالب، لفت «الانتقالي» إلى أن أكبر تحدٍّ يواجه «الرئاسي»، يتمثّل في صعوبة اتخاذ القرار من جانب أعضائه الثمانية، مقترحاً أن يعيّن رئيساً شمالياً ونائباً جنوبياً، أو العكس، بعد هيكلة المجلس الحالي.
طالب «الانتقالي» صراحةً بإجراء هيكلة سريعة لـ«الرئاسي» تلافياً لفشله


وبرأي بعض المحلّلين، تتعدّى المشكلة ما تقدَّم ذكره، إلى واقع مصادرة القرار داخل «الرئاسي» من قِبَل الرياض وأبو ظبي، واللتين لا تسمحان للسلطات المتعاقبة الموالية لهما، منذ ما بعد الحرب، بأن تتّخذ أيّ قرار من دون الرجوع إليهما، وهو ما جعل من سلطة عبد ربه منصور هادي السابقة، وسلطة «الرئاسي» الحالية، أشبه بالسكرتاريا في مكاتب القيادتَين السعودية والإماراتية.
الخلاف بين «الانتقالي» من جهة، و«الرئاسي» من جهة أخرى، ألقى بظلاله على وحدة الأوّل وتماسكه، وخصوصاً أنه يضمّ فريقاً يتماشى مع الطبخة السعودية - الإماراتية، في مقابل فريق آخر يتمسّك بضرورة تمكين «الانتقالي» من إدارة المحافظات الجنوبية منفرداً. هكذا، يبدو الخلاف الذي يعصف بتركيبة «المجلس الرئاسي»، وكأنه يدور حول الاستحقاقات السياسية والعسكرية لكل طرف. فلم يقتصر الخلاف على موقف «الانتقالي» و«الإصلاح» منه، بل إن قائد «المقاومة الوطنية»، طارق صالح، وضع هو الآخر شروطاً لِمَن يرغب في العودة إلى عدن والمشاركة في اجتماعات «الرئاسي»، من ضمنها نشر قوات تابعة له في عدد من المحافظات الجنوبية، إضافة إلى لواء في عدن، وكتيبة داخل قصر معاشيق، حيث مقرّ «المجلس الرئاسي».