صنعاء | يكاد ينقضي فصل الصيف هذا العام من دون أن يبدأ الموسم الزراعي السنوي في معظم المحافظات اليمنية التي تعتمد على الأمطار الموسمية كمصادر ريّ للزراعة. إذ تَسبّبت موجة الجفاف غير المسبوقة التي تضرب البلاد حالياً بارتفاع حادّ في درجات الحرارة، وبخاصة في المحافظات الساحلية، وجفاف العشرات من آبار المياه التي يعتمد عليها عشرات الآلاف من اليمنيين من سكان الأرياف والمرتفعات. وتمثّل هذه الظاهرة تحدّياً كبيراً أمام الخطط الحكومية الهادفة إلى رفع معدّلات الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي ومصادر دخل الملايين من اليمنيين الذين يعمل 54% منهم في الزراعة، التي تساهم بأكثر من 13.7% من إجمالي الناتج المحلي، وتوفّر 25% من الاستهلاك الغذائي.وخلافاً للعام الماضي الذي شهدت فيه صنعاء وعدد من المحافظات فيضانات كبيرة، تراجع منسوب هطول الأمطار خلال الأشهر الماضية إلى أدنى مستوياته، وهو ما أدى إلى أزمات حادّة في مياه الشرب في معظم القرى والأرياف. كذلك، تضرَّرت الثروة الحيوانية التي يعتمد عليها مئات الآلاف من اليمنيين كمصدر دخل أساسي، بسبب جفاف المراعي في السهول والمرتفعات الجبلية وارتفاع أسعار الأعلاف إلى مستويات تفوق قدرات مربّي المواشي، وهو ما كبّد العاملين في هذا القطاع خسائر فادحة، لتشهد الأسواق اليمنية موجة بيع للمواشي بأسعار لا تتجاوز الـ50% من الأسعار العادلة. ومع استمرار أزمة القمح العالمية، والتي أدّت إلى مضاعفات سلبية في السوق اليمنية، وباتت تتهدّد الإمدادات الرئيسة للبلاد التي تستهلك 3.8 مليون طن من القمح سنوياً، يرى مراقبون أن موجة الجفاف سوف تعمّق معاناة اليمنيين، وتعيق تنفيذ الخطط الحكومية الرامية إلى رفع الإنتاج الزراعي بنسب مضاعفة عن الأعوام الماضية للحدّ من تداعيات الأزمة الروسية ــ الأوكرانية، وذلك أخذاً في الاعتبار اعتماد القطاع الزراعي اليمني على الأمطار بنسبة 48% ثم الآبار بنسبة 32%. وكان المتوسّط السنوي لكمية الأمطار في اليمن يصل إلى ما بين 250 و400 ملم، وتبلغ الحدود الدنيا بين 50 و100 ملم، وتصل إلى 800 ملم في الحدود العليا، غير أن منسوب المتساقطات يشهد تذبذباً كبيراً منذ قرابة العامين وفقاً لوزارة المياه في صنعاء، وهو ما ينعكس تذبذباً في الإنتاج الزراعي، لا سيما الحبوب التي تعتمد بدرجة شبه تامّة على الأمطار.
وفي ظلّ خفض المنظمات الدولية مساعداتها لليمنيين إلى أقلّ من 50% خلال الفترة الماضية، وقيام «برنامج الأغذية العالمي» بتخفيض الحصص الغذائية المقدَّمة لثمانية ملايين شخص في بداية العام الجاري تحت ذريعة نقص التمويل، فإن موجة الجفاف الحالية تهدّد الكثير من اليمنيين بالجوع. وعلى رغم محاولات رجال مال وأعمال وهيئات إنسانية محلّية تزويد سكان بعض المناطق القريبة من المدن بصهاريج مياه صالحة للشرب في محاولة لتخفيف معاناتهم، إلّا أن تخلي المنظمات الدولية عن ملايين الفقراء والنازحين ولّد معاناة واسعة النطاق. وبدت الأزمة أشدّ وطأة في محافظتَي الحديدة وعدن، وسط توقّعات «المركز الوطني للأرصاد الجوية» في صنعاء، و«جمعية الفلكيين اليمنيين»، باستمرار موجة الجفاف خلال الفترة المقبلة.