مثّلت الأسابيع الماضية من عمر «المجلس الرئاسي» المُشكَّل حديثاً، بداية ارتسام خريطة التحالفات الجديدة في الجنوب، في ما بين المكوّنات السياسية المنضوية تحت لواء المجلس. وبعدما كان «المجلس الانتقالي الجنوبي»، إلى ما قبل ولادة «الرئاسي»، ينفرد بالقرار في عدن، سواءً عبر حكومة معين عبد الملك، أو عبر التشكيلات المتفرّقة العسكرية والأمنية التي تتّخذ من المدينة مقرّاً لها، شكّلت عودة المجلس الجديد من الرياض إلى عدن، إزاحة ناعمة لـ«الانتقالي»، الذي وجد نفسه خارج اللعبة، لصالح تحالفات جديدة بدأت تنشأ أخيراً.البداية كانت عندما أطلق «الانتقالي» بالون الاختبار الأوّل لقياس نفوذه في المحافظات الجنوبية، ما بعد الانقلاب على عبد ربه منصور هادي، بإصداره قراراً، أواخر الشهر الماضي، بتعيين القيادي الموالي له، عيدروس الشاعري، قائداً لـ«اللواء 39 مدرع»، التابع للقوات الموالية للرئيس المُزاح في محافظة أبين، لكن قيادة تلك القوات رفضت تنفيذ القرار، قبل أن تأتي توجيهات رئيس «الرئاسي»، رشاد العليمي، بوقفه أيضاً. وفي موازاة تجميد تعيينات «الانتقالي»، ووقف تحرّكاته العسكرية خارج عدن، تصاعدت عمليات الاغتيال ضدّ القيادات الأمنية والعسكرية التابعة له. فبعد أيام فقط من اغتيال ضابط أمني في منطقة المنصورة، جرى استهداف قائد العمليات المشتركة في المنطقة العسكرية الرابعة الموالية لـ«الانتقالي»، علي صالح اليافعي، في منطقة المعلا، غير أن اليافعي نجا من العملية التي يبدو من ملابساتها أنها تحمل بصمات أجهزة أمنية متمكّنة في عدن، خصوصاً وأن السيارة المفخّخة التي استهدفته رُكنت في منطقة أمنية إلى جانب شرطة المعلا. ولم تقف معركة إضعاف «الانتقالي» عند هذا الحدّ؛ إذ على رغم محاولاته منع قوات نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، طارق محمد صالح، من دخول عدن، منذ ما قبل تشكيل «الرئاسي»، وهو ما تُرجم باعتقال عناصر تابعة لتلك القوات في المدينة، إلّا أن الميليشيات الموالية لصالح نشطت مجدّداً في أكثر من منطقة جنوبية، فيما تدفّقت كتائب تابعة له إلى عدن تحت ذريعة الحماية الشخصية.
تحوّلت أبو ظبي بالتوافق مع الرياض من رهانها على «الانتقالي» إلى «الشرعية الجديدة»


بناءً على ما تَقدّم، يمكن القول إنّ أبو ظبي بالتوافق مع الرياض، تحوّلت من رهانها على «الانتقالي»، إلى «الشرعية الجديدة» التي يبدو لافتاً النفوذ الإماراتي في توليفتها، في محاولة لاحتواء كلّ الأطراف، بِمَن فيهم قيادات الجيش المحسوبون على هادي. وفي هذا السياق، يمكن لمس مؤشّرات التقارب بين العليمي وبين تلك القيادات، التي وصل منها الثلاثاء إلى قصر معاشيق في عدن للقائه، قيادات ألوية «الحماية الرئاسية»، إضافة إلى قائد محور أبين، اللواء سند الرهوة، الذي كان رفض قبل أسابيع دعوة وجّهتها إليه قيادة «الانتقالي» للقائه.
هكذا، يبدو «الانتقالي» مهمَّشاً في خارطة التحالفات الجديدة، بعد عزوف أبو ظبي عن الرهان عليه كميليشيا منذ خمس سنوات، لصالح رهانها على «الرئاسي»، الذي دخل في سباق مع الزمن لتثبيت سلطاته جنوباً بدعم سخيّ من قِبَل السعودية والإمارات. لكن السؤال الذي يفرض نفسه في ظلّ هذه المستجدات هو عن مدى إمكانية إضعاف «الانتقالي» الذي بات على وشك لعب دور المعارضة، خصوصاً وأن قوّته تكمن في قدرته على حشد الشارع تحت شعارات «التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية»، وهي الشعارات التي تؤرّق الرياض وأبو ظبي، ومعهما «المجلس الرئاسي» الجديد، خوفاً من إحداث إرباك وشلل في مهامّ الأخير في المحافظات الجنوبية.