بات مؤكداً أن لا مفرّ من اعتماد العلاج بالموسيقى. فهو، وتبعاً لما صار عليه العدوان، العلاج الأمثل لتفاقم الحال الإماراتية (والسعودية) وعظامية «عيالها». قد يكون صحيحاً أن العلاج تأخَّر بعض الشيء، إلّا أن تأخُّره لا يعني، بالضرورة، فوات الأوان، بل ربّما يأتي ليساعد في توفير الإحاطة الأشمل، وتالياً التشخيص الصحيح والدقيق. فالمهمّ، الآن، وفي كلّ حين، البناء على فوائد التأخير، إن وقَع، في اتّجاه المساعدة في اختيار العلاج الملائم الكفيل بالشفاء.وحيث أن الموسيقى أنواع وألوان وحتى مستويات، ولكلّ نوع أو لون أو مستوى تأثيراته المختلفة، فالتجارب تقول (وكذلك أهل العلم والاختصاص) أن لكلّ واحدة من الحالات المُراد علاجها، موسيقاها. وأمام محمد بن زايد، الذي تفاقمت حالته وإن لم تستعصِ بعد، فإن الحاجة قد ألزمت باللجوء إلى موسيقى الصواريخ والمسيّرات. فالعلاجات الأخرى التي سبق أن جُرّبت لم تؤدِّ إلى ردع مَن اخترع الأوهام أو صدّقها، ولم تسفر إلّا عن إيغاله في ارتكاب المزيد من أعمال القتل، فضلاً عن أنواع الكذب والخداع والمراوغة. بل ووصلت الحال به، كحال إماراته، إلى مستوى بات معه خطره يتجاوزه ليشمل كثيرين، وبينهم بعض مَن عطف عليه.
وقد شاءت المصادفة أن يكون خير هذا النوع المحدَّد من الموسيقى، عميماً. فبفضلها، أمكن حسم الجدل المزمن وطيّ صفحاته، بل ودحض الخرافات الكثيرة التي كانت تصرّ على التقليل من منافعه العلاجية. نعم، أخيراً، حُسم الجدل. وما كان لهذا الجدل أن يُحسم لولا عبقرية فقراء اليمن المقاتل، الذين أتيح لهم بفضل مِراسهم الهارموني وباعهم الإيقاعي، تأكيد ما كان موضع أخذ وردّ بين المختصّين، الذين توزّعوا بين موافق مرحّب ومستنكر رافض.
فإلى الأمس القريب، أي إلى ما قبل أيام قليلة مضت، وتحديداً اليوم الذي سبق الرسالة اليمنية الصاروخية، لم يكن ممكناً البرهنة العلمية على دور هذه الموسيقى العلاجي. لكن مع انطلاق العزف وارتفاع النغمات فائقة الوضوح التي سُمعت في جنبات أبو ظبي ودبي، ووصلت أصداؤها إلى أرجاء عواصم الحرب والعدوان في واشنطن ولندن والرياض وغيرها من البقع التي سادها الخوف والحزن، أو تلك التي عمّها الفرح وغمرها الحبور من بيروت إلى دمشق إلى القدس المحتلة إلى بغداد... تأكَّدت، وبالملموس، حقيقة أثر العلاج الموسيقي وأهمّيته. فالتفاعل الإماراتي السريع مع جرعة الصواريخ الأولى، والمعبّر عنه برسائل التنصّل والامتثال وتكرار أكاذيب الانسحاب وغيرها، قد أعطى مفاعيل مباشرة دفعت بالمريض الإماراتي إلى الاختباء خلف مشغّليه الدوليين والإقليميين، الذين لم يكن حالهم بأحسن من حال مخدومهم، فكان أن اكتفوا بصيحات الاستنكار العاجزة وبيانات التضامن الفارغة. وها هو وزير خارجية محمد بن زايد، وبتكليف منه، ومن غرف البيت الأسود في واشنطن، صار اليوم ينادي بالحلّ السياسي. ولعلّ هذا الصبي ما كان ليدعو إلى الحلّ السياسي لولا إدراك القيّمين الأساسيين عليه وعلى أمثاله من مطايا صغيرة وكبيرة، فداحة ما ينتظرهم إنْ هم أوغلوا في سلوك الدرب الوعر الذي زيّن لهم الإسرائيلي سلوكه.
كانت الموسيقى وسيلة العرب المفضّلة في تطبيب ما أسموه «عِلل العَتَه العقلي»


نعم، اليوم، قطع اليمنيون مع الشكوك والأسئلة، وبرهنوا بالصوت وبالصورة أهمية المعالجة بالموسيقى وفعاليتها. فأبناء الزجاج باتوا في حال يتوسّلون فيه السبل للخروج من المأزق الذي صنعوه بأيديهم. ولعلّ الرسائل الإماراتية المتطايرة التي تلت العزف اليمني، طلباً للصفح، كافية لتأكيد حقيقة ما عجز المختلفون الموسيقيون عن إثباته.
وبالنظر إلى النتائج الجديدة، يَجدر التنويه إلى أن الموسيقى التي ساهمت في تغيير النظرة، وحسم الجدل المستمرّ منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تاريخ نيل العلاج بالموسيقى الاعتراف الرسمي وبدء اعتماده في بعض الدول، يعود إلى تعديلات يمنية خاصة، تضمّنت، بحسب العارفين والمختصّين بالموسيقى وأنواعها، إيقاعات لبنانية وفلسطينية وسورية وعراقية وأميركية لاتينية وأفريقية...
للموسيقى، تعريفاً، دور هام في علاج الكثير من الأمراض النفسية، وحتى الجسدية المستعصية. فهي، وبالإضافة إلى مضامينها الجمالية وتأثيراتها الروحية، التي وسمت نغماتِها التي صدحت في سماء كلّ من دبي وأبو ظبي، وقبْلهما في سماء «أرامكو» وغداً...، فإن لها دوراً في استعادة الأفراد والجماعات للتوازن النفسي والعصبي. وتُورد المراجع أن العرب قد سبقوا الغربيين إلى الإحاطة بأهمية الموسيقى كعلاج للعديد من الأمراض، وكانت وسيلتَهم المفضّلة في تطبيب ما أسموه «عِلل العَتَه العقلي»، وهو التوصيف الدقيق لحالة هذا المسمّى بابن زايد وصحبه، خصوصاً أن التدخُّل العلاجي الموسيقي يستند إلى وجوب أن يُصمَّم وفقاً للحالة المرضية الخاصة بصاحبها وبما يساعده على تجاوز محنته. لذلك، ربّما وجب لفت اليمنيين إلى واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه «أشقائهم» في الجزيرة العربية، وحاجة هؤلاء الأشقاء إلى إسماعهم الدوري إن لم يكن اليومي إلى هذا النوع المحدَّد من الموسيقى، من باب العطف الإنساني الذي لا يبتغي غير إصلاح أحوال من أضاع الطريق القويم الواجب سلوكه، أو أضاع نفسه في غمرة الانتشاء بالزجاج المحيط به.
وعليه، فإن العلاج بالموسيقى لم يَعُد وهماً، بل صار حقيقة أكّدتها السواعد والعقول والمواهب اليمنية العربية الصميمة. وإذا كان الكيّ آخر الدواء، فالحالة الإماراتية الشّاذة توجب القول إن الموسيقى الصاروخية هي أوّل الدواء وليس آخره.

■ ■ ■

دلال أبو آمنة
بوضوح بلّوري يوازي جمالها، أرسلت ابنة فلسطين، الفنانة والطبيبة دلال أبو آمنة، رسالة حملت مضامين موازية، تتقاطع مع الرسالة الموسيقية اليمنية، وسطّرت من خلالها موقفاً وطنياً وأخلاقياً وإنسانياً يُحتذى به ويبنى عليه. إذ أعلنت، في كلمات واضحة وحاسمة، رفضها المشاركة في فعاليات ما يسمّى «إكسبو دبي 2020». وأدرجت رفضها في خانة «الواجب الوطني الذي يتعارض مع كل ما يمسّ القضية الفلسطينية والتمادي الإماراتي في تجاهل حقوق ومشاعر الشعب الفلسطيني». وإلى أهمية رسالتها التي تزامنت مع موسيقى اليمن، يضاف أنها صفعة أخلاقية موجّهة إلى مُتهافتي العرب الذين يطمعون بالإقامة الذهبية من فنانين وسياسيين وإعلاميين... فقدوا الحياء ومعه الكرامة.
دلال أبو آمنة وسام على صدر فلسطين. وزيتونة أبدية الاخضرار.