نجحت قوات صنعاء، من خلال سياسة الاحتواء التي اعتمدتها واستعادت بواسطتها المبادرة، في صدّ جميع الهجمات التي شنّتها الميليشيات الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي على مديرية عين في محافظة شبوة، ومديرية حريب في محافظة مأرب، والتي لا تزال الأخيرة تتكبّد بسببها خسائر بشرية كبيرة يومياً، أفاد بآخر معطياتها المتحدّث باسم الجيش اليمني و«اللجان الشعبية»، مساء السبت، بإعلانه صدّ محاولات تقدُّم جديدة في جبهة عين، وإيقاع 120 إصابة في صفوف المهاجِمين ما بين قتيل وجريح. وعلى خلاف ما تمّ نقله عن مسؤولين إماراتيين من أن الهدف من الهجمات الأخيرة كان محصوراً في استعادة المديريات الثلاث في شبوة (بيحان وعسيلان وعين)، فقد كشف تطوّر الأحداث أن الغاية الحقيقية إنّما كانت فتْح رأس جسر باتجاه حريب كمرحلة أولى، لقطْع خطوط إمداد الجيش و«اللجان» إلى مأرب من محافظة البيضاء. أمّا المرحلة الثانية، فالوصول إلى الجبهة الجنوبية لمأرب، وفكّ الحصار عن المدينة.وفيما تؤكد مصادر عسكرية في صنعاء، على صلة بجبهات القتال، أن الطيران الحربي الإماراتي، وكذلك الطائرات المسيّرة، لا تزال تعمل ليلَ نهارَ في المنطقة، موضحةً أن قيادة العمليات التي تدير جبهة شبوة إنّما تتألّف من ضبّاط إماراتيين، وآخرين أميركيين يتولّون الإشراف والتنسيق، يبدو أن الجيش و«اللجان» استطاعا، في الأيام الماضية، استخدام تكتيكات تتلاءم مع تضاريس المنطقة، والتكيّف مع نوعية السلاح المستخدَم بوجههما، ولا سيما المستحدَث منه، الأمر الذي مكّنهما من أن يكونا في وضعيّة مُريحة، تؤهّلهما للدفاع، وأيضاً للمبادرة إن أراداها. أمّا قيادة «التحالف»، وبعد فشل خطّتها القاضية بوصْل شبوة بمأرب، فقد بدأت بالبحث عن بدائل عسكرية، هدفها تشتيت قوات صنعاء للتخفيف عن جبهة مأرب.
هكذا، لم تُعمّر طويلاً فرحة «التحالف» بـ«النصر» المضخّم الذي صنعته الماكينة الإعلامية التابعة له، بادّعاء إسقاط محافظة شبوة كاملة في الأسابيع الماضية، والذي احتاجت إليه جعبته الخاوية من أيّ منجز ميداني منذ سنوات. ولعلّه من المفيد التذكير، هنا، بأن شبوة تتكوّن من 17 مديرية تمتدّ على مساحة تبلغ 47,584 كيلومتراً مربعاً، وهي لم تكن في أيّ وقت من الأوقات تحت سيطرة «أنصار الله»، باستثناء ثلاث مديريات هي بيحان وعسيلان وعين، دخلها الجيش و«اللجان» منتصف العام الماضي لسببَين: الأول، نزولاً عند رغبة بعض القبائل؛ والثاني، توسعةً لدائرة الأمان حول جبهة مأرب، خصوصاً أن أحد طُرق إمداد قوات صنعاء من محافظة البيضاء يمرّ في مديرية حريب المجاورة لمديرية عين. وفي الهجوم الأخير، تقدَّمت ميليشيات «العمالقة» السلفية، التي استُقدمت إلى شبوة من الساحل الغربي، إلى المديريات الثلاث من مناطق بمعظمها صحراوية (مكشوفة)، تحت غطاء جوّي متكامل، شمل طائرات «إف 16» و «إف 15» الإماراتية، فضلاً عن عدد كبير من الطائرات المسيّرة، من مختلف الأنواع، وبعضها مزوّد بصواريخ حرارية لملاحقة الآليات والأفراد، في ما بدا أنه تطبيق لسياسة «الأرض المحروقة». ولأن المناطق المفتوحة تعطي ميزة تفضيلية لـ«التحالف» بسبب تفوّقه الجوّي، عمدت قوات صنعاء إلى التموضع في التضاريس الصعبة (التِّباب والجبال والأودية)، والتي تسلب سلاح الجوّ أفضليّته، واعتاد الجيش و«اللجان» القتال فيها حيث يستطيعان من خلالها الانتقال إلى تكتيكات الحرب غير النظامية، أي حرب العصابات واستنزاف الخصم، باستخدام مبدأ «الاقتصاد في القِوى»، والذي يعني نشْر مجموعات صغيرة في الأماكن المشرفة على تقدُّم العدو، وفي الوقت نفسه الابتعاد عن خطوط الإمداد الاعتيادية (الطرقات) التي تكون معرَّضة للاستهداف من الجوّ، والاستعاضة عنها بالطرق الجبلية الضيقة.
ثمّة معلومات تفيد بأن ليندركينغ سيحاول تثمير المجازر التي ارتكبها «التحالف» سياسياً


بالنتيجة، كلّ ما حدث في شبوة، وحاول «التحالف» ولا يزال استثماره على الصُّعد كافة، عبارة عن سقوط مركزَي مديريتَي عسيلان وبيحان، واللتين لا تزال بعض مناطقهما الجبلية تحت سيطرة «أنصار الله»، شأنها شأن مركز مديرية عين، والذي يشكّل مع مديرية حريب خطّاً دفاعياً مستحكماً للجيش و«اللجان»، يتمّ التنكيل منه بميليشيات «العمالقة». وفي ما يتّصل بهذه الأخيرة تحديداً، تَسخر مصادر قريبة من الجيش و«اللجان» من الهالة التي تُحاط بها، ومحاولات صبْغها بـ«البطولة والشجاعة والكفاءة العسكرية»، جازمة أن تلك الألوية إنّما تَقدّمت في مناطق مفتوحة وخالية من قوات صنعاء، في حين أثبتت التجربة أن ليس بمقدورها دخول منطقة ما إلّا بعد التمهيد بالنار، وهو ما تدلّ عليه تجربتا الساحل الغربي وصحراء شبوة. أمّا عند الالتحام المباشر في مناطق تتيح تكافؤاً جغرافياً بين الطرفين، فإن «العمالقة» تفرّ من المعركة أو يتوقّف هجومها، الأمر الذي حدث الشهر الماضي عند أوّل التضاريس غرب محافظة تعز.
على المستوى السياسي، يزور المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، هذه الأيام، منطقة الخليج، بادئاً بالسعودية. وفيما يبدو أن عودته مرتبطة بعملية «إعصار اليمن» التي استَهدفت مدينتَي أبو ظبي ودبي الإماراتيتَين الأسبوع الماضي، فلا يَظهر أنه يحمل مقترحات جديدة للحلّ السياسي، بل ثمّة معلومات تفيد بأن ليندركينغ سيحاول الاستفادة من الظروف المستجدّة، ولا سيما عمليات القتل والتدمير التي طاولت العاصمة صنعاء ومدناً أخرى مثل صعدة والحديدة، لفرْض الأجندة الأميركية التي رُفضت في الماضي. أمّا في حال فشل مهمّته هذه، فستُعاود الإدارة الأميركية وضْع «أنصار الله» على «لائحة الإرهاب»، وفق ترجيح بعض المصادر. من جهة صنعاء، فإن شيئاً لم يتغيّر في مواقفها، التي تفيد المعلومات بأنها ستزداد تمسّكاً بها مهما كانت الكلفة، وهذا ما أكده رئيس وفدها التفاوضي، محمد عبد السلام، في تعليقه على زيارة ليندركينغ، حيث شدّد على أن «حلّ قضية اليمن يكون بما نؤكد عليه دائماً وأبداً، وهو أولاً وقف العدوان ورفع الحصار، وأيّ موقف لا يَرى سوى ردّة الفعل، ويتعامى عن جرائم المعتدي وحصاره الجائر، فهو يساند الجلّاد ويوسّع من دائرة النار».