لا يمكن فصل الإنجازات التي يحقّقها الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» في مأرب، عن الحراك السياسي والدبلوماسي النشط في الإقليم، كما في مجلس الأمن، والذي يشارك فيه أطراف الصراع إلى جانب الدول الراعية للتحالف السعودي - الإماراتي. وتختلف التحرُّكات المستجدّة عن سابقاتها، كونها تجري على وقع تقديرات غربية تفيد بقرب سقوط مأرب بيد «أنصار الله»، وما سينجم عن حدث كهذا من تحوّلات عسكرية كبيرة على مسار الحرب يُحتمل أن تدفع في اتجاه انفراط عقْد «الشرعية»، فضلاً عن توجيه ضربة قاسية إلى القيادتَين العسكرية والسياسية لـ«التحالف».وتفيد تقديرات «التحالف» بأن اندفاعة قوات صنعاء لا تتوقّف على تحرير مدينة مأرب، بل إن الخروقات المُحكَمة للجيش و«اللجان» في شبوة، دقّت جرس الإنذار من خطر تمدُّدهما إلى مديريات أخرى في المحافظة، حيث تتمتّع «أنصار الله» بحاضنة شعبية كبيرة، فيما تزداد خشية «التحالف» على وقع ورود معلومات إلى دوائره الاستخبارية تشير إلى حصول «تفاهمات بين صنعاء والعديد من قبائل شبوة» سيُصار بموجبها إلى تسليم «أنصار الله» المزيد من المديريات. ويضاف إلى ما سبق، الصراع داخل أجنحة «الشرعية» والعداوة المتزايدة بين حزب «الإصلاح» و«المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً. فعلى رغم المحاولات الحثيثة التي تبذلها السعودية لرأب الصدع بينهما، إلّا أنها فشلت في مسعاها لترميم الثقة بين هذين المكوّنين، وهو ما تجلّى بوضوح في تغريدة لمستشار ولي عهد أبو ظبي، عبد الخالق عبدالله، اعتبر فيها أن الحكومة اليمنية و«الجيش الوطني» لا يستحقّان الدعم الذي قُدِّم لهما من جانب «التحالف». وكتب: «صفر ثقة في الحكومة اليمنية، وصفر ثقة في الجيش اليمني، لا يستحقّان الدعم السخيّ الذي قُدِّم لهما من التحالف العربي... خسارة فيهما كل دقيقة وكل دولار يُنفق عليهما».
على أن المجريات العسكرية الأخيرة تتخطّى البُعد المحلّي إلى النطاقَين الإقليمي والدولي، وهذا ما دفع مجلس الأمن إلى إصدار بيان منحاز يجدِّد فيه دعوة «أنصار الله» إلى وقف هجومها على مأرب. ومع هذا، تدرك الدول الداعمة لـ«التحالف» أن موازين القوى على الأرض تبدّلت لمصلحة صنعاء، وأن تأثيرها على الحركة التي لم تنفع معها العقوبات أو حتّى إدراج أسماء قياداتها في «قائمة الإرهاب» الأميركية، يلامس الصفر، فيما لم تَجِد التصريحات والبيانات الشديدة اللهجة من واشنطن وغيرها من العواصم الغربية آذاناً صاغية لدى القيادة السياسية لـ«أنصار الله». أمام هذا الواقع، لجأت واشنطن ومعها لندن إلى سياسة التحايل والخداع، وقدّمتا حلولاً سياسية مجتزأة، في محاولة منهما لإبقاء اليمن تحت وصاية السعودية والغرب. غير أن إصرار صنعاء على الوقف الكامل لإطلاق النار ورفْع الحصار من دون شروط، معطوفاً على الإنجازات الميدانية التي حقَّقتها في مأرب، كل ذلك وضع «التحالف» ورعاته في مأزق، خصوصاً في ظلّ ضيق الخيارات السياسية والدبلوماسية. وهو ما حتّم على الدول الراعية للعدوان، البحث عن فجوة في جدار الأزمة الضاغط، فاندفع السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، عبر وسيلة إعلام سعودية، نحو مهمّة مصارحة الأدوات المحلية والحلفاء الإقليميين، قائلاً إن هناك ضرورة للاعتراف بالتحوّلات الكبرى الناتجة عن إنجازات صنعاء الميدانية وصمودها السياسي.
تفيد المعلومات بأن مجلس الأمن أصبح جاهزاً لإصدار قرار جديد تلغي بنوده القرار 2216

وعلى هذه الخلفية، بدأ رعاة «التحالف» التمهيد لحتميّة تقديم تنازلات مؤلمة. وقال أوبنهايم إن «فجوةً حدثت في مضمون القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015، والوضع على الأرض يتغيّر يومياً»، معترفاً بأن ذلك سينعكس على أيّ تسوية سياسية مقبلة. وأكد السفير أن «أي تسوية سياسية بين الأطراف ستحتاج إلى قرار جديد». وتجدر الإشارة هنا إلى أن أيّ قرار جديد سيصدر عن مجلس الأمن سيُتَّخذ مرجعيةً وحيدة، وسيلغي مفاعيل بقية المرجعيات التي رفعها «التحالف»: المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن مجلس الأمن أصبح جاهزاً لإصدار قرار جديد تلغي بنوده القرار 2216، غير أن المشكلة تكمن في كون الدول الغربية الداعمة للعدوان لم تحصل على التزامات سياسية من صنعاء لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار ورفْع الحصار، فضلاً عن أنها تخشى إصدار قرار جديد في مجلس الأمن لا تصادق عليه «أنصار الله».
ولا شكّ في أن مراجعة الغرب لسياسته السابقة ستُدخل «الشرعية» في صراع سياسي للحفاظ على القرار 2216، وهو ما عبّر عنه السفير اليمني لدى الأردن، علي العمراني، تعليقاً على حديث السفير البريطاني، بالقول: «وكأنّ الحرب شُنَّت لتحقيق غايتَين: تمكين الحوثيين، وتحقيق الانفصال»، مشيراً إلى أن «أهداف تمكين الحوثيين متعدّدة ومعروفة، والانفصال كان غاية المستعمرين من قديم، ومن المهمّ أن نؤكد أن كل ذلك مرفوض قطعاً وأبدياً».