أخيراً، تمكّن التحالف السعودي ــــ الإماراتي من تأليف الحكومة الجديدة الموالية له، ليبدأ بذلك فصل جديد تَضْمن من خلاله الرياض وأبو ظبي وصايتهما على المناطق الخاضعة لهما بشكل مطلق. وبعد مشاورات دامت أكثر من عام في الرياض، تمخّضت عن تلك المشاورات ولادة المشروع الجديد لـ"التحالف"، المتمثّل في إشراك "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم من الإمارات، في الحكومة، بواقع خمس حقائب، منها النقل والثروة السمكية، اللتان تمثّلان الهاجس الأكبر لأبو ظبي، على اعتبار أن الأخيرة تَعدّ السيطرة على المنافذ البحرية والجوية والموانئ، إضافة إلى الثروة السمكية والسواحل، جزءاً من أهداف تدخلها في الحرب على اليمن. في المقابل، أُخرج فريق الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، عملياً، من الحكومة، وتمّ تقليم أظافر ما تُسمّى "الشرعية"، باستبعاد أهمّ شخصية محورية فيها هي وزير الداخلية أحمد الميسري، وكذلك استبعاد ممثّلي المكوّنات المقرّبة من هادي أو المحسوبة عليه، كـ"الائتلاف الوطني" و"حركة النهضة" و"المجلس الأعلى للحراك الثوري". هكذا، أسّس "التحالف" "شرعية" جديدة على أنقاض "شرعية" هادي، وهو ما لم يكن سهلاً عليه. إذ انفتحت، من أجل ذلك، معركة دامت ما يقارب عاماً ونصف عام بين حكومة هادي و"الانتقالي"، وانتهت بتوقيع "اتفاق الرياض" الذي ضَمِن بقاء الجنوب بين أيدي الرياض وأبو ظبي، وخَلَق ما يشبه "ترويكا" جديدة، قائمة على مؤسّسة الرئاسة بعد مصادرة قرارها ومنعها من تعيين أيّ مسؤول في المواقع السيادية أو حتى الخدَمية إلا بموافقة "التحالف"، ومجلس النواب برئاسة سلطان البركاني المقرّب من السعودية والإمارات، وحكومة معين عبد الملك الجديدة التي يتقاسم صلاحياتها السفير السعودي محمد آل جابر، والضابط الإماراتي أبو خليفة النيادي.
ربطت مكوّنات مناوئة لـ«التحالف» ما جرى بحركة التطبيع في المنطقة


على أن "ترويكا التحالف" الجديدة تجد نفسها في مواجهة العديد من الملفّات الشائكة، وأهمّها الغضب الشعبي المتصاعد على تردّي الأوضاع المعيشية وتدهور الخدمات (خصوصاً الكهرباء) وهبوط العملة المحلية، وهو ما يتجلّى في تظاهرات يصفها بعض المراقبين بـ"ثورة الجياع" أو "ثورة الخبز"، للمطالبة بتوفير الخدمات ودفع المرتّبات والحفاظ على سعر العملة والوقود. مطالباتٌ يضاف إليها ملفّ القوى المناهضة لـ"التحالف" والتي تنشط بقوة في المحافظات الجنوبية، فضلاً عن الوجوه النافذة التي أُخرجت من الحكومة، والتي يُتوقّع أن تؤطّر نفسها في كيانات سياسية معارضة جديدة أو تنضمّ إلى المكوّنات الموجودة أصلاً. وما يعزّز ذلك الاحتمال تصريحات الوزير السابق، أحمد الميسري، عقب إعلان الحكومة، حيث قال إنه "يمتلك مشروع السيادة الوطنية، ولن يتوقف هذا المشروع، سواء كنا في الحكومة أو خارجها"، مضيفاً إن "المواجهة الجديدة ستكون لإسقاط مشروع محمد بن سلمان (الحكومة الشرعية) ومشروع محمد بن زايد (الانتقالي)". ووصف الميسري المشروع الجديد بـ"الرخيص"، منتقداً "تفريط هادي برجاله في الحكومة"، معلناً "عودته قريباً إلى البلاد لرفع راية الاستقلال".
في موازاة ذلك، برزت مواقف عدّة رافضة للواقع الجديد، والتي عَبّرت عنها المكوّنات السياسية المناوئة لـ"التحالف". ومن بين تلك المواقف بدا لافتاً ما رأته حركة "تاج الجنوب العربي" التي ربطت التطوّرات في الجنوب بما "يحدث في المنطقة العربية والهرولة نحو التطبيع"، معتبرةً أن "الحكومة أداة محلّية ضعيفة للتحالف للاستفادة منها في تمرير مشروع التطبيع". ورفضت "تاج" "الالتفاف على قضية الجنوب بإعادة تدوير الأحزاب اليمنية المتهالكة التي تتحمّل وزر ما يحدث في البلاد من حروب وفساد". وأعلن فصيلا "مجلس الحراك الثوري"، بقيادة حسن باعوم وفؤاد راشد، من جهتهما، التوجّه عن "تصعيد ثوري في المحافظات الجنوبية"، فيما كشف راشد عن "العمل على تحالفات جديدة لمكوّنات الحراك الجنوبي في جبهة وطنية واحدة، والعمل على نسج علاقات مع أطراف محلية وخارجية وفق احتياجات الحراك وأهدافه".
بالنتيجة، يمكن القول إن عملية إعادة الهيكلة التي طبّقها "التحالف" على القوى الموالية له، واستولد منها التوليفة الجديدة المُعلَنة أخيراً، تستهدف أولاً ضمان سيطرته على المناطق الجنوبية بشكل كامل، وثانياً التمهيد لتنشيط الجبهات في مواجهة "أنصار الله". لكنّ تلك الأهداف تصطدم، بحسب محلّلين، بواقع صعب في الجنوب والشمال على السواء، لا يبدو من السهل على السعودية والإمارات ترويضه لمصلحتهما.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا