تلتقي المطامع السعودية - الإماراتية في اليمن مع مصلحة الكيان الإسرائيلي في السيطرة على موقع هذا البلد المتميّز. ولئن كان لكلّ طرف من تلك الأطراف حساباته، فإن تعدّد ميزات اليمن يبدو كفيلاً بتحقيق مصالح متعدّدة في آن واحد، على الأقلّ في الوقت الحاضر. وهي مصالح تظهر حاضرة بقوة في عملية التطبيع بين الدول الخليجية وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأميركية. يعتقد الخبراء أن تحقيق «أنصار الله» إنجازات حيوية في شمال اليمن، ولا سيما في محافظة مأرب الغنية بالنفط والتي باتوا على مشارف التحرير الكامل لها، سيُشكّل تحوّلاً في مسار الحرب، لن تستطيع كلّ من الرياض وأبو ظبي تحمّل تبعاته، وخصوصاً إذا كانت الوجهة التالية للجيش واللجان الشعبية توسعة المجال الملاحي والأمن الإقليمي للبلد. ومن هنا، تستعجل الأطراف المعنيّة إتمام عملية التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، على قاعدة تثبيت مكاسب دول العدوان في الحرب على اليمن. وفي هذا الإطار، يبدو واضحاً تسريع الجهود الهادفة إلى تثبيت موطئ قدم لإسرائيل في هذا البلد بشكل علني، ولا سيما في جنوب اليمن، وبالتحديد في المواقع الحيوية التي تعتبر حتى الآن غنيمة «التحالف» المتبقّية من الحرب، والتي لا تخفي السعودية والإمارات وإسرائيل خشيتها من أن تؤدّي التحوّلات المتسارعة في الشمال إلى فقدان السيطرة عليها. كذلك، لا تخفى محاولات واشنطن، من خلال الرياض وأبو ظبي وتل أبيب، التصدّي لمساعي بكين إلى إحياء حلمها القديم «الحزام والطريق»، من خلال استكمال بناء بنيته التحتية، والتي يدخل اليمن في قلبها.
وإذا كانت لتسريع عملية التطبيع أهداف متعدّدة، فبالإمكان تلخيص مطامع أطراف تلك العملية بالآتي:
1- السعودية: هدفت السعودية من حربها على اليمن إلى إبقاء هيمنتها على هذا البلد وشعبه والتسلّط على ثرواته، وهي إلى الآن لم تقلع عن الهدف المذكور. وعلى رغم صمود اليمنيين، ومحافظتهم على معظم الأراضي في المحافظات الشمالية، فإن ذلك لم يُغيّر شيئاً من عناد قادة السعودية المسكونين بعقلية التفوق والاستعلاء. على أن هناك أهدافاً فرعية أخرى تسعى السعودية إلى تحقيقها، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية. وفي هذا السياق، يأتي احتلالها المباشر لمحافظة المهرة (شرق)، كترجمة لحلمٍ يراودها منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتطمح من خلاله للوصول إلى بحر العرب، بالسيطرة على ميناء نشطون الحيوي والاستراتيجي، وإنشاء بنية تحتية متطوّرة تسمح باستخدامه لتصدير النفط السعودي من دون المرور بمضيقَي هرمز أو باب المندب الاستراتيجيَّين، وبالتالي الامتناع عن تجرّع الكأس المرّة بعبور البوابة الإيرانية. وتعتقد الرياض أن هذا المشروع سيُحقّق لها فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة. وبالفعل، بدأت السعودية، في كانون الأول/ ديسمبر 2018، عمليات الحفر للأنبوب النفطي، ووضع بعض القواعد الاسمنتية في منطقة طوف شحر الحدودية، لكن قبائل المهرة تحرّكت آنذاك إلى موقع الإنشاءات، وطردت القوات والمدرّعات السعودية من هناك، وأزالت جميع العلامات والقواعد الاسمنتية. ومُذّاك، أطّرت قبائل المهرة، مدعومةً من سلطنة عمان، تحرّكاتها، وبدأت مسار مناهضة الاحتلال السعودي تحت اسم «فعالية اعتصام المهرة». والجدير ذكره، هنا، أن الوثائق المسرّبة عبر موقع «ويكيليكس» كشفت، نقلاً عن الخارجية السعودية، أن لجنة عليا شُكّلت برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يشغل وزارة الدفاع والمُكلّف الإشراف على اليمن، وعضوية وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل ورئيس المخابرات وآخرين، كُلّفت بالعمل على مشروع هدفه شقّ قناة من السعودية إلى بحر العرب من خلال محافظة حضرموت، بغية الاستغناء عن كلّ من مضيق هرمز وباب المندب. ولم توضح الوثائق الأسباب التي حالت دون تنفيذ المشروع.
2- الإمارات: ينظر الخبراء إلى أن مساحة الإمارات وموقعها الجغرافي لا يتناسبان وطموحها الاقتصادي والسياسي والعسكري، ولا يؤهّلانها للقيام بدور كبير في الإقليم. وللتعويض عن ذلك، تُؤسّس أبو ظبي لتغيير كبير في جيوبوليتيك الخليج والقرن الأفريقي والبحر الأحمر. وكثمن لمشاركتها في العدوان على اليمن، «غَنِمت» الإمارات، بمباركة كلّ من السعودية والولايات المتحدة، المواقع الحيوية في جنوب البلاد، حيث باشرت بناء قواعد عسكرية في الجزر الاستراتيجية اليمنية (ميون، سقطرى، أرخبيل حنيش، فضلاً عن احتلالها مدينة المخا على البحر الأحمر)، وسيطرت عبر حلفائها (المجلس الانتقالي الجنوبي) على ميناء عدن، فضلاً عن إنشائها ميليشيا محلّية من حوالى 90 ألف مقاتل في جنوب اليمن والساحل الغربي، فيما أخفقت في كلّ من الصومال وجيبوتي، بعدما فسخت الدولتان عقود الاستثمار على أراضيهما مع «شركة موانئ دبي العالمية».
3- إسرائيل: يُعدّ باب المندب شرياناً حيوياً للتجارة الإسرائيلية مع الشرق، والتي تتمّ عبر «ميناء إيلات» الذي يُعدّ الرئة الإسرائيلية الوحيدة على البحر الأحمر. وكانت مصر قد أقفلت مضيق المندب إبان عدوان 1967، ما تَسبّب في انقطاع ذلك الشريان، ومُذّاك تعمل إسرائيل على تكثيف وجودها في القرن الأفريقي، ساعية في خلق بيئة ملائمة وآمنة للملاحة من قناة السويس حتى المحيط الهندي عبر المضيق اليمني. وأخيراً، وصف الإعلام الإسرائيلي وكلاء الإمارات في جنوب اليمن بـ»الأصدقاء الجدد»، وسط معلومات عن تواصل جرى بين مسؤولين في «الانتقالي» مقيمين في أبو ظبي وآخرين من الكيان الإسرائيلي. وعزّز صحة تلك المعلومات تماهي مسؤولي «الانتقالي» مع خطوة التطبيع الإماراتي، ومحاولاتهم قمع الحركة الشعبية المناهضة للتطبيع في البلاد. يُذكر أن الجزر اليمنية، وخصوصاً منها سقطرى، تُؤمّن لإسرائيل موطئ قدم متقدّماً في مواجهتها مع إيران.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا