بينما كانت المكوّنات السياسية المنضوية تحت راية التحالف السعودي - الإماراتي تتسابق للظفر بحصص من الكعكة الحكومية الجاري تشكيلها في العاصمة السعودية، بعد الاتفاق على آلية تسريع تنفيذ «اتفاق الرياض» في نسخته الثانية منذ أقلّ من شهر، فاجأ «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات، الجميع، بتعليق مشاركته في تلك المشاورات، وفق ما جاء في بيان صادر عنه الثلاثاء. ووصف نائب رئيس «الانتقالي»، هاني بن بريك، خطوة المجلس بأنها «إجراء لا بدّ منه للدفع نحو الالتزام الكامل بآلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض». وقال بن بريك إن «تعليق المفاوضات موقف جادّ ومسؤول تجاه كلّ التصرّفات غير المسؤولة من قِبَل أطراف في الشرعية ليس من مصلحتها ما تمّ الاتفاق عليه»، فيما هدّد القائم بأعمال رئيس المجلس، أحمد سعيد بن بريك، باتخاذ خطوات أبعد من إعلان «الإدارة الذاتية»، قائلاً: «لا نستبعد تشكيل حكومة تسيير أعمال من طرف واحد من المجلس الانتقالي وشرفاء الجنوب، إن لم تكن هناك ردود مقنعة من جانب رعاة الاتفاق حول أسباب الاستهتار من القائم على الملف والمفوّض من قِبَل قادة المملكة العربية السعودية».وتتلخّص أسباب تعليق «الانتقالي» مشاركته في المشاورات، وفق ما شرحها هو نفسه، في الآتي:
1. استمرار وتزايد وتيرة عمليات التصعيد العسكري من قِبَل القوات المحسوبة على ما يسمى «الشرعية» في محافظة أبين، وعدم التزامها وقف إطلاق النار المتّفق عليه، بتنفيذها أكثر من 350 خرقاً، أسفرت عن سقوط أكثر من 75 قتيلاً وجريحاً.
‏2. استمرار عمليات التحشيد العسكري باتجاه الجنوب، بما في ذلك استقدام عناصر من تنظيمَي «القاعدة» و»داعش» إلى هناك.
3. حجب المرتبات الشهرية لأشهر عدّة، وخصوصاً منها مخصّصات القطاعات العسكرية والأمنية، والامتناع عن تسوية أوضاع المتقاعدين العسكريين والمدنيين، وكذلك موظفي القطاع المدني، وفي مقدّمهم المعلّمون.
في المقابل، اعتبرت مصادر «الشرعية» أن «الانتقالي» ينتهج سياسة تحصيل المكاسب من «اتفاق الرياض» من دون أن يلتزم بكامل بنوده، وذلك تحت شعار «خذ وطالب». ونفت أوساط حكومية صحة الأسباب التي ساقها المجلس لخطوته، وخصوصاً أن فترة الشهر التي أُعطيت لتشكيل الحكومة لم تنتهِ بعد. يضاف إلى ما تقدّم أن رئيس الوزراء المكلّف، معين عبد الملك، أجرى مشاورات مع جميع المكونات المعنيّة بعملية التشكيل، ومن ضمنها «الانتقالي»، في ظلّ أجواء إيجابية أوحت بأن لا عقبات مستعصية على الحلّ.
هدّد حلفاء الإمارات باتخاذ خطوات أبعد من «الإدارة الذاتية» التي كانوا قد تراجعوا عنها


إزاء ذلك، يربط مراقبون بين قرار «الانتقالي» والأحداث الأخيرة في محافظة تعز، حيث استطاع حزب «الإصلاح» (إخوان) اجتياح معاقل أتباع الإمارات في مدينتَي الحجرية والتربة غربي مدينة تعز. وهو ما تخشى أبو ظبي أن يفتح الباب على تمدّد «الإصلاح» إلى مدينة المخا الاستراتيجية المطلّة على البحر الأحمر، على اعتبار أنه بات قريباً منها، فضلاً عن التمدّد باتجاه محافظة لحج التي تعتبر البوّابة الشمالية لعدن.
وفي تداعيات خطوة «الانتقالي»، التي تُمثّل ضربة لهيبة السعودية ودليلاً إضافياً على فشلها في إدارة ملف التفاوض بين الأطراف المحليين الموالين لـ»التحالف» وإلزامهم بتعهّداتهم، تَجدّدت المعارك بين الطرفين في جبهتَي الطرية والشيخ سالم في محافظة أبين، فيما استأنف الجانبان إرسال تعزيزات عسكرية إلى جبهات القتال. كذلك، شهدت مدينة عتق - المركز الإداري لمحافظة شبوة - ومدينة سيئون في محافظة حضرموت مسيرات داعمة للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ورافضة لاحتكار التمثيل الشعبي في المحافظات الجنوبية من قِبَل «الانتقالي». ونَظّم تلك الفعالياتِ «الائتلافُ الوطني الجنوبي» الذي يرأسه رجل الأعمال اليمني، أحمد العيسي، المدعوم من السعودية. يُذكر، هنا، أن «الانتقالي» يدّعي أنه الممثل الوحيد للمحافظات الجنوبية، ويحاول منع أيّ تحرك شعبي خارج عن الفلك الإماراتي.
وكان «الانتقالي» قد أعلن، في نيسان/ أبريل الماضي، «الإدارة الذاتية» في المحافظات الجنوبية، ثمّ عاد في أواخر تموز/ يوليو ليُعلِن تخلّيه عنها، مُتعهّداً المضيّ في تنفيذ اتفاق تقاسم السلطة مع ما يسمّى «الشرعية». على أنه، مذّاك، لم يُنفّذ من الاتفاق سوى التراجع عن «الإدارة الذاتية»، مصحوباً بتعيين هادي، عضو مجلس الرئاسة في «الانتقالي» أحمد لملس، محافظاً لمحافظة عدن، حيث أدّى اليمن الدستورية قبل سفر هادي للعلاج إلى واشنطن. كذلك، تمّ تعيين العميد محمد أحمد الحامدي مديراً عاماً لشرطة محافظة عدن، بعدما رُقّي إلى رتبة لواء. وبينما عاد لملس إلى عدن يوم أمس لمباشرة عمله، رفض مدير الأمن السابق، شلال علي شايع، تسليم منصبه لخَلَفه، علماً بأن شايع يمارس مهامّه من محلّ إقامته في أبو ظبي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا