لا يترك التحالف السعودي ضد اليمن، وداعموه، أي فرصة إلا ويستغلّها لتحصيل مكاسب سياسية، ضمن محاولات متكرّرة لليّ ذراع صنعاء. ويبدو أن التحالف عاد إلى المربّع الأول في استخدام التجويع كأداة من أدوات الحرب. فقد استجابت الأمم المتحدة للضغوط الأميركية التي دشّنها وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بامبيو، في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك بداية آذار / مارس الماضي، حين طلب وقف المساعدات الانسانية والغذائية المقدّمة إلى شمال اليمن بذريعة تدخّل حكومة صنعاء في هذه المساعدات.ورغم تفشّي وباء «كورونا» في اليمن (أعلنت عدن أمس مدينة موبوءة) واهتراء الجهاز الصحّي على نطاق واسع وتدمير القسم الأكبر من جرّاء الحرب، فقد استجابت مؤسّسات الأمم المتحدة سريعاً للضغوط الأميركية. وبدأت على الفور بتخفيض تقديماتها للشعب اليمني. ونقلت وكالة «رويترز»، الأحد الماضي، عن أن منظّمة الصحّة العالمية علّقت أنشطة موظفيها في المناطق الخاضعة لسلطة حكومة صنعاء، بذريعة عدم وجود الشفافية حول معلومات وباء «كورونا». وأبلغت ثلاثة مصادر الوكالة بأن المنظّمة اتخذت ذلك الإجراء للضغط على سلطات «الحوثيين» للإبلاغ عن نتائج الاختبارات الخاصة بـ«كوفيد-19».
إلا أن المنظّمة أعلنت، أمس، في ما يشبه تراجعاً عن قرار تعليق الأنشطة، أنه تم رفع القيود عن حركة موظّفيها في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين شمال اليمن. وقالت المنظمة، في تغريدة على صفحتها في «تويتر» إنها «لم توقف أو تعلّق عملياتها في المناطق الشمالية باليمن، ولكنها أوقفت مؤقتاً حركة موظّفيها في هذه المناطق نظراً إلى بعض المخاطر التي كان من الممكن أن يكون لها أثر على سلامتهم». وأكّدت أنه تم رفع القيود الآن، والتي كان قد تمّ فرضها على حركة الموظّفين وسيعاودون العمل على الفور.
تواجه 90 في المئة من خدمات الصحّة الإنجابية في اليمن خطر الإغلاق


وفي الإطار ذاته، أعلنت منظّمة الأمم المتحدة، أمس، أن 90 في المئة من خدمات الصحّة الإنجابية في اليمن تواجه خطر الإغلاق، بسبب نقص التمويل. جاء ذلك في بيان صادر عن «صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للسكّان». وذكر الصندوق أنه من دون تمويل يمكن إغلاق 90 في المئة من خدمات الصحّة الإنجابية للصندوق في اليمن بحلول تموز / يوليو. وأضاف: «هذا يمكن أن يترك ما يصل إلى 320 ألف امرأة حامل من دون رعاية الصحّة الإنجابية التي هن بحاجة إليها». ولفت إلى أن «النساء والفتيات يواجهن تهديدات خطيرة لصحّتهن الإنجابية، حيث هناك 20 في المئة فقط من النظام الصحّي يقدّم خدمات الأمومة والطفولة». وتشير التقديرات إلى أن امرأة تموت بسبب مضاعفات مرتبطة بالحمل أو الولادة كل ساعتين في اليمن.
ونقل البيان عن القائم بأعمال ممثّل الصندوق في اليمن نيستور أوموهانجي، قوله، «إن أولويتنا هي ضمان استمرار الحصول على رعاية الصحّة الإنجابية لهؤلاء النساء وحمايتهن من العنف وسوء المعاملة خلال هذه الأوقات الصعبة... لا يمكننا القيام بذلك إلا إذا كان التمويل متاحاً».
وفي ما عدّه مراقبون إقراراً أميركياً بعجز التحالف المدعوم أميركياً عن إحداث تحوّل في موازين القوى في شمال اليمن، وفي إطار خطّة للاستثمار في جنوب اليمن، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة ستقدّم 225 مليون دولار مساعدات طارئة مخصّصة لجنوب اليمن لدعم برامج الغذاء. وقد جاء هذا الإعلان في الوقت الذي خفّضت فيه منظّمات الإغاثة عملياتها في الشمال بذريعة «تدخّل الحوثيين وتفشي فيروس كورونا المستجد». وقال بومبيو: «هذه المساعدات ستقدّم لعمليات الغذاء الطارئة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة» في جنوب اليمن.
يذكر أن تعداد سكّان المحافظات الشمالية يتخطى 20 مليون نسمة، بينما لا يتجاوز عدد سكّان المحافظات الجنوبية خمسة ملايين. ووفق بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، يعاني اليمن من أكبر أزمة إنسانية في العالم بسبب الحرب الدائرة هناك منذ عام 2015. ويعتمد نحو 80 في المئة من السكّان، أو 24 مليون نسمة، على المساعدات، ويواجه 10 ملايين شخص خطر المجاعة. ويصنّف اليمن كرابع أعلى عدد من النازحين داخلياً في العالم، فيما الرعاية الصحّة نادرة في المناطق الريفية.