صنعاء | كما الحال في الملف الإنساني، كانت تبعات الحرب السعودية على اليمن، التي دخلت عامها السادس في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، كبيرة على الملف الاقتصادي لهذا البلد. الأرقام تتحدّث عن أكثر من 28 مليون إنسان يحتاجون إلى المقومات الأساسية للبقاء، من غذاء ودواء ومياه وكهرباء وصحة وتعليم، وذلك من أصل 29,7 مليون يمني. فوق ذلك هناك 24 مليوناً بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 12 مليوناً بأمس الحاجة إلى تلك المساعدات. وارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 85%، والبطالة تجاوزت 67%، بعدما فقد الملايين أعمالهم وانكمش الاقتصاد أكثر من 50%، كما تدهورت بيئة الأعمال وتراجعت الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى أدنى المستويات، وتوقّفت المصانع واستهدفت الأسواق العامة، وتوقّفت مصادر الدخل من العملة الأجنبية بسبب القيود المالية التي فرضها «التحالف»، لتؤدي إلى تراجع حاد في الاحتياطي النقدي الأجنب لدى «المصرف المركزي»، قبل نقله من صنعاء إلى عدن وبعده، وتدهور سعر صرف العملة الوطنية بنسبة 186% في خمس سنوات.جراء ذلك، ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 45%، وتراجع معدل الدخل الأسري بنسبة 55%، وحرم 1,2 مليون موظف، يمثلون 22% من القوى العاملة، رواتبهم، بقرار من حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، التي فرضت «سياسة التجويع» على 4,7 ملايين شخص يمثّلون أسر موظفي الدولة. وتفيد التقارير الرسمية وتقارير المنظمات المدنية المتخصصة بفداحة الوضع. فوزارتا التخطيط في صنعاء وعدن تُجمعان على ارتفاع خسائر الاقتصاد إلى 99,5 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية. ووفقاً لدراسة حديثة، صادرة مطلع العام الجاري عن وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط في صنعاء، أحمد حجر، حصلت «الأخبار» على نسخة منها، انخفض الناتج المحلي الحقيقي بين 2015 و2019 بما نسبته 46,2%، وانخفضت الواردات خلال المدة بالنسبة نفسها. كما انخفض نصيب الفرد من الدخل الحقيقي خلال تلك المدة بنسبة 52%.
وفقاً للدراسة نفسها، بلغ انخفاض إجمالي الإيرادات العامة الفعلية للدولة ما نسبته 71%، لتتجاوز خسائر موازنة الدولة في السنوات الأربع 40 مليار دولار، علماً بأن محصلات الاقتصاد القومي من النقد الأجنبي، خلال المدة عينها، انخفضت من نحو 18,6 مليار دولار إلى 8 مليارات عام 2019، بما نسبته 57%. ويشير حجر إلى أن الاقتصاد القومي يحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لإعادة تأهيله إلى ما كان عليه قبل 2010. وبينما قدّرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي خسائر الناتج المحلي الإجمالي بـ71 مليار دولار، خلال السنوات الأربع الماضية، يتوقّع مراقبون ارتفاع معدّلات الخسائر في ظل استمرار الحرب والحصار. وكانت وزارة التخطيط في صنعاء قد قدّرت تكلفة الفرصة الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2010 بنحو 49.8 مليار بين 2015 و2019.
يحتاج الاقتصاد أكثر من عشر سنوات لتأهيله كما كان قبل 2010


في الموازاة، اتجه «التحالف السعودي ـــ الإماراتي» وحكومة هادي إلى تجفيف مصادر الدخل الوطني من الإيرادات كافة، وإغلاق مختلف القنوات المالية المتدفقة إلى «المركزي»، التي تغذي الإنفاق العام. ومكّن «التحالف» حكومة هادي من السطو على الإيرادات العامة في المحافظات الجنوبية والشرقية التي كانت تمثل 75% من إيرادات البلاد، والعبث بوظائف «المركزي» بعد نقله من صنعاء إلى عدن، ابتداء بطباعة 1,7 تريليون ريال بلا غطاء نقدي، وكذلك تعويم الريال أمام العملات الأجنبية بقصد المضاربة بالعملة في السوق والتلاعب بها. الأضرار طاولت أيضاً القطاع النفطي الذي يعدّ المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد، ومثّلت عائداته 70% من موارد الموازنة العامة قبل الحرب، و63% من الصادرات اليمنية للأسواق الدولية، و30% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً لآخر تقديرات وزارة النفط في صنعاء، فإن الخسائر بلغت 26 مليار دولار و56 مليار ريال يمني، تمثّل خسائر القطاعات النفطية للوزارة والوحدات التابعة لها والمعادن.
أما إحصاءات «هيئة المصائد السمكية» في الحديدة، فتتحدث عن تكبّد القطاع السمكي أكثر من 5,6 مليارات دولار خسائر في البنية التحتية لهذا القطاع. وتؤكد دراسة التطورات الاقتصادية الكلّية المموّلة من منظمة «يونيسف»، أواخر العام الماضي، أن قطاع البناء والتشييد، القطاع الرابع كبراً في البلاد وأسهم بنسبة 6% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 2011 إلى 2014، انكمش بسبب الحرب بنسبة 59,2%، وقدّرت خسائره بـ 2,5 مليون دولار. كذلك، تراجعت حركة قطاع الجملة والتجزئة، الذي يمثّل 17% من الناتج، بنسبة 47%، وقدّرت خسائره المباشرة بنحو 6,9 مليارات. بجانب ذلك، قال تقرير «التخطيط» في صنعاء إن انكماش قطاع الاتصالات بلغ نسبة 53%، وقدّرت خسائره بـ 1,2 مليار دولار. كما قدّر انكماش قطاع النقل بـ64%، بخسائر تصل إلى 6 مليارات. ووفقاً لإحصاءات وزارة الزراعة، بلغت الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي تكبّدها القطاع في خمس سنوات 16 ملياراً، فيما تفيد التقديرات الأولية بانحسار الإنتاج الزراعي بنسبة 40% في البلاد.
رغم ما سبق من أضرار مباشرة وغير مباشرة، لم ينهر الاقتصاد اليمني، وإن تراجعت مؤشرات نموّه إلى الأدنى، بل ظل صامداً ومتماسكاً، بعكس حسابات «التحالف» التي اتخذت من ضرب الاقتصاد وسيلة لتركيع صنعاء وإجبارها على الاستسلام، بمصير يشبه مصير الرهان العسكري.