صنعاء | بالتزامن مع تجدّد التصعيد العسكري على أكثر من جبهة من اليمن (نهم والجوف والبيضاء والضالع، إلى جانب الانتهاكات المتواصلة لوقف إطلاق النار في الحديدة)، برزت في خلال الساعات الماضية سلسلة تحرّكات دبلوماسية لا يُعلَم إلى الآن إن كانت ستسفر عن إعادة تثبيت التهدئة والشروع في خطوات تنفيذية لـ«اتفاق استوكهولم». ويوم أمس، وصل المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى صنعاء، حيث التقى زعيم حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي. وبحسب الناطق باسم الحركة، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، فقد تمّت خلال اللقاء «مناقشة العراقيل والاعتداءات المستمرة من جانب دول العدوان، والتي تقف حجر عثرة أمام مساعي السلام، وكذلك استمرار الحصار واحتجاز السفن وما يترّتب عليه من أضرار فادحة بأبناء شعبنا اليمني، وما يواجه الملفات الإنسانية الملحّة من إشكالات، خاصة ملف الأسرى، من تأخير، رغم مبادراتنا المتكررة التي نهدف من خلالها إلى محاولة الدفع نحو التنفيذ الكامل». كذلك، التقى غريفيث رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، الذي حذر من أن استمرار التصعيد على جبهتَي مأرب ونهم سيؤدي إلى إنهاء المبادرة المُقدّمة من قِبَل صنعاء في أيلول/ سبتمبر الماضي، والتي أدت إلى خفض التصعيد مع الرياض، متحدثاً عن عدم جدّية الأمم المتحدة، بل وتواطئها في تأخير الكثير من الخطوات التي كان وُعد بها اليمنيون.وسبقت لقاءَ غريفيث - الحوثي زيارة لافتة إلى صنعاء قام بها سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن هانس جروندبرج، ونائبه ريكارد فيلا، وسفيرا فرنسا وهولندا كريستيان دي تستو وإيرما فان ديورن، بعد أخرى مماثلة مطلع الأسبوع الجاري إلى عدن. زيارةٌ قوبلت بترحيب قيادة صنعاء، فيما أثارت استياء حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، والتي سبق أن طالب موالون لها «التحالف» بعدم منح السفراء الثلاثة تصريح مرور إلى مطار صنعاء، معتبرين توجّههم إلى هناك بمثابة اعتراف ضمني بحركة «أنصار الله». الدبلوماسيون الثلاثة، الذين عقدوا سلسلة لقاءات شملت رئيس «المجلس السياسي الأعلى» ورئيس حكومة الإنقاذ عبد العزيز بن حبتور ووزير خارجيتها هشام شرف ونائبه حسين العزي ووزيرَي النقل والصحة فيها، جدّدوا دعم الاتحاد الأوروبي للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لإحلال السلام في اليمن، مشيرين إلى أن الهدف من زيارتهم العمل على خفض مستوى التوتر، ودعم خطوات التهدئة وبناء الثقة، وصولاً إلى إنهاء الحرب بجميع الوسائل المتاحة. من جهتها، رحّبت قيادة صنعاء بالجهود الديبلوماسية الأوروبية، واعتبرت أن تصعيد العدوان في الجبهات، واستمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي واحتجاز السفن المحمّلة بالمشتقات النفطية والمواد الغذائية القادمة إلى ميناء الحديدة، لا تعبّر عن نيّات صادقة لدى «التحالف» للوصول إلى سلام حقيقي.
السفراء الأوروبيون أبلغوا صنعاء أن «التحالف» وافق على رفع الحصار عن المطار جزئياً


وذكّر المشاط، خلال استقباله السفراء الثلاثة، بأن «المجلس السياسي» اتخذ الكثير من الخطوات الإيجابية الأحادية الجانب لتنفيذ «اتفاق استوكهولم»، سواء في ملفَّي الحديدة أو الأسرى، متّهماً الطرف الآخر بالتهرّب من تنفيذ التزاماته، ومشدداً على أن مبدأ الدفاع عن النفس هو حق مشروع لليمن طالما استمرّ العدوان والحصار. بدورها، طالبت حكومة الإنقاذ الاتحاد الأوروبي والدول الراعية للاتفاق بممارسة الضغط على حكومة هادي ومن ورائها «التحالف» للوفاء بالتزاماتهما، وعلى رأسها رفع الحظر عن مطار صنعاء الذي يخدم أكثر من 85% من اليمنيين، لافتة إلى أن الطرف الذي تُمثّله نفّذ معظم التزاماته، بما في ذلك في ملف الأسرى عبر إطلاق أكثر من سبعة آلاف أسير من أصل أكثر من 15 ألفاً، فضلاً عن الخطوات المهمة المُتخذة في ملف إعادة الانتشار في الحديدة، في ظلّ استمرار الطرف الآخر في افتعال العراقيل، ولا سيما في الملف الاقتصادي الذي يرى أن تنفيذ الخطوات المتعلقة به سيفقده مصالحه الكبيرة التي تتضخّم باستمرار من بيعه للنفط والغاز من دون رقيب أو حسيب. وفي هذا الإطار أيضاً، استعرضت الحكومة مظاهر الحرب الاقتصادية المستمرة عليها، والتي كان آخر فصولها السعي إلى ضرب العملة الوطنية، بعد رفض تغطية العجز في حساب الرواتب الذي فُتح في فرع البنك المركزي في الحديدة.
مصدر في حكومة الإنقاذ كشف، لـ«الأخبار»، أن «سفراء الاتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا أبلغوا صنعاء أن التحالف وافق على رفع الحصار المفروض على مطار صنعاء جزئياً، لتسيير رحلات خارجية للمرضى اليمنيين ابتداءً من الثالث من الشهر المقبل، في إطار خطوات بناء الثقة». لكنّ مصدراً طبّياً في صنعاء شكّك في ذلك الالتزام، بالاستناد إلى تجارب سابقة عمد خلالها «التحالف» إلى إعاقة الجسر الطبي الإنساني من دون مبرر، متّهماً «منظمة الصحة العالمية» و«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» بالتواطؤ مع دول العدوان وتبرير عدم فتحها الجسر الطبي منذ عام بأسباب لوجيستية. ولفت المصدر إلى وجود عشرات آلاف المرضى المحتاجين إلى السفر للعلاج في الخارج، والذين يُعدّ الاستمرار في حظر الطيران حكماً مسبقاً بموت المئات منهم.